تُجرى تحضيرات لعقد قمة ثقافية عربية، الخبر الذي أبرزته معظم الصحافة الثقافية العربية، وجاء بلغة يغلب عليها «الرسمية» والتعميم والإنشائية. وكانت أخبار هذه القمة منذ رشحت إلى السطح قبل عدة أشهر موضع تندّر من كثير من القراء والمثقفين، إذ ماذا أجدت القمم الثقافية السياسية حتى نتحول إلى قمة ثقافية.

Ad

كما أن غموضاً كان يلف آليات عمل هذه القمة، والنقاط المحددة التي تناقشها، وكذلك المشاركين فيها، وإن اتضحت الآن معالم هذه الأمور بعد اللقاء التحضيري الذي عقد في بيروت الأسبوع المنصرم، بتنظيم مؤسسة الفكر العربي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وانبثق عن عدة توصيات.

وكان من أبرز التوصيات والمحاور التي انتهى إليها اللقاء التحضيري: إنقاذ اللغة العربية، والاهتمام بالتعليم والإعلام، وحماية التراث والإبداع، وحماية الملكية الفكرية، ثقافة الطفل، ثقافة الشباب، حوار الثقافات، السوق الثقافية العربية، وحركة الترجمة.

لم يحِن بعد وقت هذه القمة التي يتطلّع إليها المثقفون، كما أنها مازالت تطبخ على نار هادئة، وإن بدت منذ لقاءاتها التحضيرية أبعد ما تكون عن هموم المثقفين البسطاء، كما أن غموضاً مازال يلف مفهوم الثقافة، فكتّاب الرأي، وأساتذة الفلسفة والفكر، يمكن إدراجهم ضمن قائمة المثقفين، فهؤلاء الكتاب هم الأقرب إلى موقع القرار في الدول العربية على اعتبار العلاقة الملتبسة بين المثقفين والسلطة، وتحديداً هنا المثقفين الذين يكتبون في الشأن السياسي، إذن نحن لم نتخلص بعد من عقدة «السياسة» حتى ونحن نناقش الثقافة. كما أن مادة الفكر العربي تجرّ معها المتحدثين عن التيارات السياسية/الثقافية العربية، من قبيل اليسار العربي، وامتداده التاريخي، وكذلك السلفية العربية وعلاقتها بالسلطة والقرار السياسي، إضافة إلى حركة الإخوان المسلمين والليبراليين العرب، وهلّم جرا... كل هذه من التيارات السياسية الثقافية التي يمكن أن تتسرب إلى مناقشات القمة الثقافية العربية إذا لم يجرِ تعريف «مصطلحي» محدد للثقافة.

وبما أن القمة ذات طابع عربي سياسي شامل، فلابد أن تتسرب إليها الأمراض العربية الراهنة المستعصية على العلاج مثل القضية العربية الإسرائيلية، فالصراع هنا في جانب كبير منه ثقافي قبل أن يكون سياسياً، فمسألة المواقع الأثرية الفلسطينية، والسطو الإسرائيلي عليها، والحق التاريخي للعرب في أرض فلسطين، كلها أمور ثقافية سياسية، وإذا تعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي فإنه لا أمل لحل قريب أو عاجل.

المسائل الأخرى التي وردت في توصيات المؤتمر التحضيري للقمة مثل اللغة العربية ومشكلة الانهزام الثقافي الذي نتحدث عنه، وكذلك الإعلام، والسوق العربية المشتركة، وحركة الترجمة كلها أمور تطرح باستمرار، ويمكن معالجتها إذا قُدمت ضمن مشروعات محددة قابلة للتنفيذ. وهنا تلعب الميزانيات المحددة، والشفافية في تبيان طريقة الصرف، دوراً في دفع دفة العجلة، فليس من المعقول أن تصدر توصيات عن قمة عربية بدعم الترجمة أو قطاع التوزيع والنشر من دون أن تكون هناك ميزانيات محددة لذلك، والحق أن الجانب التمويلي يمكن أن يكون مربط الفرس لكل المشاريع التي تقدم. وما من مشكلة تواجه المثقف أو المبدع العربي أكبر من نشر وتوزيع كتابه، وضمان وصوله إلى كل أقطار الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، من دون أموال تُدفع للناشرين، أو توزيع يدوي لا يتجاوز الدائرة الصغيرة من الأصدقاء وزملاء العمل.