تصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور 80 عاماً على مولد المبدع السينمائي المتفرد شادي عبد السلام، فقد ولد في 15 مارس (آذار) عام 1930 في مدينة الإسكندرية، وأسس مدرسة متميزة في السينما منذ فيلمه الروائي الطويل، الأول والوحيد، {المومياء} (1969)، الذي أتبعه بفيلمه الروائي القصير {الفلاح الفصيح} (1970)، والأفلام التسجيلية الخمسة: {آفاق} (1972)، {جيوش الشمس} (1974)، {كرسي توت عنخ آمون} (1982)، {الأهرام وما قبله} (1984)، {عين رمسيس الثاني} (1986).

Ad

وكان من بين أركان هذه المدرسة أصدقاء شادي وتلامذته الأفذاذ، خصوصاً صلاح مرعي وسمير عوف، الأول أحد عمالقة تصميم الديكور في السينما المصرية والعربية، والثاني أحد عمالقة إخراج السينما التسجيلية.

تتميّز مدرسة شادي السينمائية بسمات رئيسة، منها ما يتعلق بعلاقة فن السينما بفن التشكيل، ومنها ما يتعلق بالإيقاع، وغير ذلك من مكوّنات ومفردات.

تعتني هذه المدرسة عناية فائقة ببلوغ درجة الاكتمال الشكلي، عبر عناصر الفيلم الفنية، لكن من دون فصل للشكل، عن المضمون، إذ تبقى العلاقة بينهما عضوية.

يهتمّ {المومياء} بقضية هوية الإنسان المصري الحضارية وتحديد طبيعتها، من خلال رؤية تظهر جلياً ضمن بناء كلاسيكي رصين، يحرص على إيقاع متأمل، متمهل، يدعونا إلى التفكير والحوار.

يمتد طابع الفيلم العقلاني، ليشمل عناصر أخرى بينها أداء الممثل، الذّي يحسّ عميقاً بالمعنى لكن من دون افتعال أو درجة انفعال تجور على العقل أو {تشوشه}.

يجعل المسعى إلى الاكتمال الشكلي، في {المومياء} و{الفلاح الفصيح} ومجمل أفلام شادي، من كل لقطة تكويناً جمالياً وأحد تعبيرات أو تجليات الفن التشكيلي، فتمتعنا اللقطة في ذاتها كلوحة وتكوين، وكعلاقة بين عناصر أو {كتل} اللوحة أو الجدارية، كذلك تفرز علاقة كل لقطة أو لوحة بالتي قبلها والتي تليها علاقة أخرى جدلية، ومعنى آخر مركباً، من دون أن يعطي إحساساً وتعبيراً جمالياً وتشكيلياً جديداً، ويشكّل متعة فنية موحية جديدة.

إذا كان أسلوب شادي يستفيد من فنّ التشكيل ويلتحم به وبجمالياته، فهو على الاستلهام نفسه إزاء الموسيقى. أمام الفيلم المنتمي إلى هذه المدرسة، نحلّق مع سيمفونية مصرية، تتوالى {حركاتها}، وينتظم إيقاعها، بتصاعد محسوب بقدر ما هو محسوس ومرهف ومعبر.

ولو أن المناخ الثقافي والإبداعي كان مؤاتياً أكثر، لازدهرت مدرسة شادي الإبداعية على نطاق أوسع ولوجدت تلامذة ومريدين، يتأثرون بقدر ما يثرون ويمضون قدماً في المدرسة وبخطوات أبعد، لكن المناخ، مع الأسف، حال دون أن ينجز شادي فيلمه الطويل الثاني {إخناتون} (أو مأساة البيت الكبير)، ولم تتوافر له جهة إنتاجية تخرج مشروعه الفذ إلى النور. هذا المناخ ذاته هو الذي أعاق انتشار المدرسة وتدعيمها، على النحو الذي كانت تبشر به عند غرس أسسها الأولى.

في تاريخ السينما المصرية، لم يلفت فيلم، عرض في المهرجانات السينمائية العالمية، الأنظار ولم ينل الجوائز التقديرية مثل فيلم {المومياء}.

الاتجاهات والمدارس السينمائية، على النحو الذي صاغه وأسسه شادي أمر نادر في السينما، لذلك ما قام به يستحقّ الدراسة الجادة، وبحث إمكانية الاستفادة منه، لدى مراحل وأجيال جديدة.

في الذكرى الثمانين لميلاد شادي عبد السلام، دعوة إلى إنقاذ تحفته المرسومة على الورق، لقطة بلقطة، أي فيلم {إخناتون}، فبين الحين والحين يتجدد وعد وزارة الثقافة بإنتاجه على أن يتعهد هذا المشروع أحد كبار رفاق شادي وهو صلاح مرعي، إلى جانب سمير عوف، لكن الوزارة تعد ولا تفي!

ونقول: على الأقل يجب أن تقدّم كل هذه الرسوم، بل والسيناريو ككل إن أمكن، في إطار فيلم تسجيلي طويل يشرف عليه بالأساس هذان المبدعان الكبيران.

هذا أضعف الإيمان.

وهو اقتراح نعرضه ويستحق، في تقديرنا، حديثاً وتفصيلاً.