ديرة بوعرام
"بوعرام" هي التسمية المحلية القديمة للحافلة أو الباص في الكويت الذي بدأ انتشاره في البلد في أربعينيات القرن الماضي، لاستخدامه أولاً في حملات الحجاج وموظفي وعمال شركة النفط، ثم أصبح وسيلة نقل للمناطق النائية من مدينة الكويت إلى قريتي الجهراء والأحمدي، وأخيراً لطلبة المدارس، قبل أن يندثر في السنوات العشرين الأخيرة، ويتم استبداله بمئات الباصات الحديثة التي تملأ العاصمة وضواحيها دون أي ضوابط لأعدادها ومساراتها، وأضحت ظاهرة كثرة الباصات سمة سيئة للكويت، خاصة وهي تتخبط في شوارعها يميناً وشمالاً، وتزيد اكتظاظها وتلوثها، وتضاعف عدد الحوادث المرورية فيها.مدينة الكويت وضواحيها أصبحت بعدد الباصات التي تجول فيها وفوضويتها، كالمدن المتخلفة مثل دكا وأديس بابا وداكار، ويستحق أن يطلق عليها بسبب ذلك "ديرة بوعرام"... فلا أظن أنه يوجد في فرانكفورت وطوكيو ونيويورك ثلاث شركات نقل عام تعمل فيها في نفس الوقت وداخل المنطقة الحضرية نفسها، ويتسابق سائقو باصات تلك الشركات الثلاث على الزبائن في المحطة الواحدة المشتركة بينهم جميعاً!... ما يحدث في الشارع الكويتي من فلتان متمثل في سوء التنظيم المروري والعمارات الشاهقة في "السكيك" الضيقة دون مواقف للسيارات ومساحات مناسبة للخدمات العامة، يعكس حالة الفساد والفوضى في الأجهزة الحكومية، ونهج توزيع الهبات وتراخيص الأعمال بناءً على النفوذ والصفقات السياسية، وهو المبرر المعقول لمنح تراخيص عمل أكثر من شركة نقل عام في البلد دون حاجة ماسة إلى ذلك، بينما لا يسمح في المدن المحترمة والمتحضرة في العالم إلا لشركة واحدة للنقل العام لتمارس عملها فيها، وتكون غالباً ملكاً للدولة أو تحت إشراف مباشر من هيئة نقل عامة حكومية تحدد مساراتها وأعدادها بدقة، ووفقاً لدراسات تحدد حاجات المدينة وظروفها البيئية.
وفي الأيام القليلة المقبلة، ومع بداية شهر رمضان، وعودة الحياة والنشاط الطبيعي إلى البلاد بعد نهاية العطلة الصيفية، ستشهد الكويت الاكتظاظ المروري المعتاد في وسط المدينة وضواحيها، وسنرى عشرات الباصات تسد الشوارع بحجمها الكبير على يمين ويسار الشارع ووسطه، وتنفث عوادمها من الديزل، دون أن تلتزم بمسار محدد في الطريق العام، بينما لا يوجد على متن كل منها أكثر من خمسة ركاب، وبقية المركبات الأخرى غارقة في بحر الباصات المتلاطم، وهذه الفوضى التي عشناها في السنوات السبع الماضية، لا يجب أن تستمر على حساب صحة وأعصاب الناس والصورة العامة للبلد، وعلى من اتخذ قرارات منح تلك التراخيص أن يصلح ما صنعه من خطيئة بحق بلده، فالدولة قادرة على أن تتخذ للمصلحة العامة قرارات التأميم أو دمج الشركات الإجباري بعد دفع التعويضات المناسبة والمجزية لمن يتضرر من قرارها، واتخاذ قرارات تحديد مسارات النقل العام وأعداد الباصات التي تعمل عليها سواء للحافلات أو الترام أو المترو، ووضعها تحت إشراف هيئة عامة للنقل تنظم وتشرف على كل شؤونها ونشاطاتها- وهي صلاحية مطلقة للبلديات والحكومات في جميع دول العالم-... فهل يتحرك مجلس الوزراء لإنقاذ الكويت من هذه الفوضى المرورية والبيئية؟!