المجتمعات والأنظمة السياسية المتخلفة هي وحدها التي تعجز عن حل مشاكلها وتعيد إنتاجها، لأنها لا تبحث عادة عن الأسباب الرئيسة التي أدت إلى هذه المشاكل، بل إنها تضيع الوقت جله والجهد كله في نقاشات سفسطائية تتمحور حول مظاهر مشاكلها العامة وآثارها، متجاهلة، عن عمد في أحايين كثيرة، الأسباب العميقة لما تعانيه من مشاكل تنموية مزمنة.
ومن نافل القول إنه يوجد في المجتمعات المتخلفة قوى اقتصادية وسياسية مسيطرة مسؤولة عن نشوء المشاكل العامة واستمرارها وتفاقمها، بل إن هذه القوى تعتاش على وجود المشاكل العامة، لذا نجدها تدافع دائما باستماتة لكي تضمن استمرار الوضع الراهن الذي ينتج المشاكل العامة، ويؤدي إلى تفاقمها، لأن التغيير والتجديد والإصلاح السياسي ستؤدي إلى حل المشاكل العامة، وهو ما سيجعل هذه القوى الاقتصادية والسياسية المتخلفة تفقد سيطرتها وقوتها ونفوذها وتحكمها. وحيث إن الديمقراطية تعني ضمن أمور أخرى التجديد والتطور والشفافية والعلانية والمحاسبة ومشاركة الجميع في إدارة الدولة فإن القوى المتخلفة تحارب دائما وأبدا وجود الديمقراطية كنظام للحكم، وتقف حائلا في وجه أي محاولة لتجديد الحياة الديمقراطية أو تجذيرها لأن ذلك يعني نهاية سيطرتها الأبدية.لذا فإنه من الملاحظ عدم وجود نظم ديمقراطية حقيقية في الدول المتخلفة، وإن وجدت فإنها ليست أكثر من ديكور خارجي أو شكل أجوف فارغ المحتوى، لذلك ينتشر في هذه الدول الفساد بأشكاله كافة سواء السياسي أو المالي أوالإداري أو الأخلاقي.وعلى النقيض من ذلك فإن الأنظمة السياسية في الدول المتقدمة هي أنظمة ديمقراطية متجددة باستمرار، لا تعرف السكون والثبات والجمود، لأنها، في النهاية، آليات وطرائق تنظم العلاقات البشرية التي تتغير طبيعتها ومعطياتها وظروفها على الدوام، لهذا السبب فإن الإصلاح السياسي للأنظمة الديمقراطية يعتبر عملية مستمرة لا تتوقف، وإلا تجمدت هذه الأنظمة وتكلست وفقدت، بالتالي، صفة الديمقراطية.وخير دليل على ذلك ما نراه من حراك سياسي وديمقراطي مستمر في دول الاتحاد الأوروبي كافة، وعلى الأخص ما حصل في الآونة الأخيرة في المملكة المتحدة، البلد الديمقراطي العريق جدا، من قيام القوى السياسية كافة بالدعوة إلى الإصلاح السياسي وتجديد الحياة الديمقراطية لا سيما بعد نتائج الانتخابات العامة التي أجريت أخيرا، وترتب عليها وجود برلمان معلق وحكومة برأسين، وهو الأمر الذي بدأ النظام السياسي البريطاني بالاستجابة له والعمل على وضعه موضع التنفيذ. وحيث إننا نعاني، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، حالتي جمود سياسي شامل، وتراجع تنموي على الصعد كافة، جعلنا نقترب بحسب التقارير الدولية من مرتبة الدول الفاشلة في الوقت الذي تتوافر فيه لنا كدولة مقومات فريدة لا نجدها في الكثير من دول العالم، مثل استقرار النظام السياسي والموقع الجغرافي المميز وصغر حجم البلد وقلة عدد السكان والإطار الدستوري المؤسسي والثروة النفطية الهائلة والإمكانات المادية والبشرية، لذلك فإننا بحاجة أكثر من ماسة إلى إصلاح سياسي شامل يجدد الحياة السياسية ويطورها وينتشلها من حالة الوهن والضعف والفوضى وفقد البوصلة التي تمر بها في الوقت الراهن، ويعيد الروح إلى الدولة الدستورية الديمقراطية المعاصرة التي وضع إطارها دستور 1962. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
الإصلاح السياسي وليس العودة إلى الوراء
30-06-2010