كثيراً ما نقف أمام أبسط المشكلات حائرين ماذا نفعل؟ وكيف نجد لها الحلول الناجعة لأننا في الأغلب ندور حول المشكلة فقط... كيف حدثت؟ ولماذا حدثت؟ لنجعل منها كرة ثلج يعظم حجمها كل لحظة بسبب حصر تفكيرنا فيما سوف يصدر عنها من نتائج وخيمة، فنفقد التركيز والهدوء المطلوبين لتحفيز قدرتنا على الخيال اللازم لإيجاد الحل المناسب، والشجاعة  في اتخاذ القرار لتنفيذ هذا الحل... فنخسر ضعف ما كان يجب خسارته في واقع الأمر!     

Ad

تتذكر الكاتبة البريطانية سوزان كوبر تجربة عايشتها في أثناء طفولتها وظلت ماثلة أمامها كلما استعسر عليها أمر فتقول:

(حين كنت تلميذة صغيرة في المدرسة كلفت القيام بواجب منزلي، فقد كان علي أن أرسم لوحة لسلم المنزل، فأتممت الرسم راضية عما أنجزته، لكنني وبينما كنت أرفع زجاجة الحبر سقطت نقطة منه في وسط الصورة ليتلف ما رسمت، وكان الوقت متأخراً لا يسمح برسم لوحة أخرى، فتولاني من اليأس ما جعلني أجهش في البكاء، وحين علم والدي بما أصابني قال لي في رفق شديد: هوني عليك ولا تأسي يا صغيرتي، فنقطة الحبر التي وقعت على جانب الورقة تبدو كبقعة سوداء في جنب كلب أبيض، وما عليك سوى أن ترسمي حول هذه النقطة كلبا صغيرا، لا أريدك أن تكوني سريعة اليأس في حياتك أبدا يا عزيزتي، فرب مشكلة كبيرة في إطارها الخارجي فيما هي في واقع الأمر لا تحتاج سوى لقليل من الخيال والشجاعة لتعود الأوضاع خيرا من ذي قبل، واعلمي يا بنيتي أن ما يرجى خيره من الأمور كثير، وإن يئست منه لأول وهلة!

وكان لوالدي ما قال، وقمت برسم كلب مرقط حول البقعة السوداء، وفي اليوم التالي حين أعلنت النتائج حصلت صورتي على المركز الأول بين كل صور زميلاتي، وقالت مدرستي: انظروا ماذا فعل شيء من الخيال لهذه اللوحة، فهذا الكلب الصغير المختبئ أسفل السلم قد زاد الرسم روعة وإبداعا، واليوم... كلما اربدت الأمور وتعسرت الحلول تذكرت ذلك الكلب الصغير ذا البقعة السوداء في لوحتي، وترددت في سمعي وقلبي وعقلي كلمات والدي المشجعة والمحفزة: "رب مشكلة كبيرة لا تحتاج سوى لشيء من الخيال والشجاعة، لتعود الأوضاع خيرا من ذي قبل"!).

نعم... شيء من الخيال والشجاعة، هو كل ما يحتاجه الفرد منا لإيجاد الحلول المناسبة لمعظم مشاكله التي تبدو له عصية عن الحل، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الحكومات، فهناك حكومات خيالها لا ينضب أبدا، ولديها لكل مشكلة من مشاكلها الحالية والمستقبلية ألف حل تختار منه ما تراه مناسبا وتمتلك شجاعة القرار لتنفيذه دون تردد، متحملة المسؤولية كاملة في حالة الفشل لتعترف به وإن كان صغيرا ومحدودا، وهناك حكومات نائمة بالعسل، تكرر أخطاءها مرة بعد مرة لأنها تفتقد الخيال وتحتقر الإبداع وتضع كل دراسة تقدم لها حبيسة الأدراج، لأنها لا تفتقد الشجاعة اللازمة لاتخاذ القرار وتحمل تبعاته والدفاع عن موقفها، وكل ما يعنيها هو البقاء فقط، وليذهب كل أمر آخر للجحيم، ولذلك، هناك عالم متقدم متحضر متطور، وهناك عالم ثالث نائم ومتخلف تتدهور أحواله يوما بعد يوم وتزداد سوءا... لأنه لم يفكر بأن النقطة السوداء البشعة، من الممكن، وبقليل من الخيال والشجاعة أن تتحول إلى كلب صغير وجميل... يزين اللوحة ويجعلها أكثر جمالا وبهاءً!