مناطق فكرية محظورة

نشر في 09-05-2010
آخر تحديث 09-05-2010 | 00:01
 آدم يوسف لا يمكننا أن نتابع أياً من مشاريع محمد عابدالجابري الفكرية إلا ونلاحظ ما يثار حولها من نقاش وضجة فكرية أو «بيانية»، فلو تأملنا المراحل الفكرية لمشروعه الفلسفي/ النقدي نجد أن عوائق كثيرة واحتجاجات معرفية تقف أمامه. ذلك على الرغم من التدرج المعرفي البين الذي سلكه الجابري في مؤلفاته، إذ تتضح معالم مشروعه الفلسفي منذ إصدار كتابه الهام «أضواء على مشاكل التعليم في المغرب» وهو الكتاب الذي أثار حفيظة جمعيات أمازيغية كبيرة، واحتجوا بشأنه، بعد حصول الجابري على جائزة اليونسكو في الفلسفة، ويدّعي المحتجون على منح الجابري الجائزة بأنه من الدعاة إلى هدم وتقويض اللغة والثقافة الأمازيغية، ومن أشد الداعين إلى نصرة «العَروبية»، بل وامتد بهم الأمر إلى اعتباره من مناصري الحكام الطغاة العرب.

وإذا كان مشروع الجابري المتعلق بتطوير التعليم قد قوبل بهذا الهجوم، فإن مشاريعه اللاحقة لم تخل كذلك من انتقاد، فهذا مشروعه الفلسفي الضخم «نقد العقل العربي» المكون في أربعة أجزاء يثير حفيظة مفكرين كثر ويدخلنا في سجال فلسفي بدأه جورج طرابيشي بكتابه الهام «نقد نقد العقل العربي» وتداخل معه فلاسفة آخرون.

أما المرحلة الثالثة من مشروعه الفكري فقد انتقل فيها إلى مقاربة مناطق يمكن تسميتها بـ»المحظورة» أو هي ذات حساسية خاصة لدى علماء المسلمين عندما نشر في صحيفة الاتحاد الاماراتية فصولاً من كتابه الجديد «في التعريف بالقرآن» ناقش ما قيل إنه «رفع أو سقط من القرآن الكريم» مستدلاً بأقوال لمفسرين وفقهاء مسلمين، وبحسب الكاتب ياسين عدنان فإن الجابري كان منذ البداية على وعي بصعوبة مجادلة الفقهاء لذا افتتح كتابه بالتأكيد أنه سيضع كل التعاريف الفقهية للمصحف الشريف بين قوسين وسينطلق من التعاريف التي وردت عن القرآن الكريم في القرآن عينه. وقال الجابري: «إننا لا نعتبر القرآن جزءاً من التراث ولكن في الوقت نفسه نؤكد أن جميع أنواع الفهم التي شيدها علماء المسلمين لأنفسهم حول القرآن كلها تراث لأنها تنتمي إلى ما هو بشري» وهو الرأي الذي أكده الجابري بقول صريح: «إن جامعي القرآن ليسوا معصومين من الخطأ لأنهم بشر».

حظي الجابري باعتراف خصومه أنفسهم بشهرة كبيرة ومكانة علمية قل أن يحظى بها مفكر في العصر الحديث. هل يعود ذلك إلى طبيعة الموضوعات الفلسفية والمقاربات الفكرية التي يقدمها؟ أم لأن النهج المغاربي المعاصر الذي وضع الجابري أسسه الفلسفية بامتياز كان مفتاح الدهشة بالنسبة إلى كثيرين خصوصاً من إخوتنا المشارقة الذين لم يعتادوا هكذا طروحات فكرية وفلسفية جريئة، يمكن ملاحظة ذلك من أن أكثر الانتقادات التي ووجه بها بعد التصريح بطروحاته بشأن إعادة تفسير القرآن انطلاقاً من أسباب النزول، كان الهجوم الأكبر الذي ووجه به من كتاب ومشايخ الأزهر في الصحافة المصرية بل ان بعضهم وصفه صراحة بالكفر والردة عن الإسلام.

ذلك على الرغم من أن آخرين رأوا أن الجابري ارتمى أخيراً في أحضان السلفية الفكرية بعد أن انتقد صراحة النهج «العرفاني الصوفي» في التراث الإسلامي، وقدم آراءه المناقضة للشيخ أبي حامد الغزالي، معلناً في الوقت ذاته عن اعتداده بفلسفة ابن رشد.

مهما يكن من أمر، يبقى صوت الجابري محركاً للراكد من الفكر الإسلامي، وسيستمر قرونا طويلة ما دامت القضايا التي يطرحها تتفاعل وتنمو من دون مقاربة جريئة وصريحة، خصوصاً ما يتعلق منها بالتراث الإسلامي وإعادة قراءته من جديد.

back to top