في السنوات الأخيرة ظهر شكل جديد للأحزاب في أنحاء الوطن العربي كافة يتمثل في الميليشيات المسلحة والمدعومة بالمال والتدريب من قبل إيران، وإذا كان بعض هذه الميليشيات قد ظهر في بعض الدول العربية إلى العلن، فإن البقية الباقية تعمل كفيروسات كامنة في الخفاء تنتظر إشارة البداية من قبل قادة الحرس الثوري في طهران.

Ad

وبطبيعة الحال كان التركيز في بداية مرحلة تأسيس هذه الميليشيات على التكوينات الاجتماعية التي تتماثل مذهبياً مع نظام الملالي في إيران، حيث تم استغلال حالات التهميش والظلم التي تعرض لها أبناء الطائفة الشيعية في بعض المجتمعات العربية لتحقيق حالة الاختراق المسلح مثلما حدث في لبنان والعراق، ولكن قادة الحرس الثوري وجدوا أن هذه الفلسفة تحد من مساحة الانتشار الجغرافي لمخططهم الشيطاني في الوطن العربي، فبدؤوا بالعمل بشكل براغماتي، حيث تحالفوا مع حركة «حماس» في فلسطين (سُنّة) وحركة الحوثيين في اليمن (زيدية)، وليس من المستبعد أن تتحالف إيران مع حركة «الإخوان المسلمين» في مصر قياساً إلى درجة التناغم العالية بين الطرفين في السنوات الأخيرة، وثمة تقارير تشير إلى وجود علاقة ما بين إيران وتنظيم «القاعدة» السُنّي المتطرف الذي اشتُهر بعدائه الوحشي لمعتنقي المذهب الشيعي!

والأجندة الإيرانية المفروضة على هذه الميليشيات المسلحة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث تقوم هذه الميليشيات بتحقيق حالة الانقسام السياسي وتعطيل مظاهر الحياة الطبيعية في البلدان العربية، وخلق جيوب خارجة على القانون، وهو الأمر الذين يمكِّن إيران من التحكم بحالة الاستقرار في هذه الدول، بحيث يصبح السلم الأهلي في هذه البلدان مجرد ورقة تفاوضية تضعها على طاولة حوارها مع القوى الدولية الكبرى.

وقد تمكنت هذه الميليشيات من صناعة دويلات شبه مستقلة عن الدول العربية التي توجد فيها، ويكفي أن نتأمل الأوضاع في لبنان والعراق وفلسطين واليمن كي نتأكد أن المشروع الإيراني يسير بنجاح منقطع النظير، حيث ستعم حالة الشرذمة والانقسام والحروب الأهلية الدول العربية كافة، ولعل أقرب المرشحين للانضمام إلى حالة الصدام الداخلي والجيوب المسلحة خلال الفترة القادمة السودان أو بعض دول الخليج التي تتصاعد فيها درجة الاحتقان الطائفي!

لقد نجحت إيران في تحقيق ما عجزت عنه إسرائيل طوال ستة عقود من احتلالها للأراضي الفلسطينية حين ساهمت بشكل مباشر في تقسيم فلسطين قبل تحريرها! أما لبنان فقد وصل، بفضل «حزب الله» المدعوم من إيران، إلى حالة شلل أخرجته بشكل نهائي من حالة الدولة الديمقراطية إلى حالة الهدنة الداخلية المؤقتة، حيث تعيش المؤسسات اللبنانية كافة تحت ضغط إمكان عودة التوتر الداخلي في أي لحظة، كما أن الحديث عن إمكان قيام دولة حقيقية في العراق يعد اليوم ضرباً من ضروب الخيال بسبب إيران والميليشيات التابعة لها، وفي اليمن تقترب الميليشيات المتحالفة مع إيران في الشمال والجنوب من إدخال هذا البلد في حالة «صوملة» لن يخرج منها بسهولة، بل ستمتد آثارها الخطيرة لتشمل الدول المجاورة مثل السعودية، هذا بخلاف التقارير التي تشير إلى تحركات إيرانية في السودان وبعض دول المغرب العربي، بالإضافة إلى النشاطات الإيرانية القديمة الجديدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي.

والمثير هنا هو أمران: أولهما، أن الأنظمة العربية- التي تبحث دائماً عن الستر- تنتظر مصيرها السيئ دون أن تحرك ساكناً مثلها مثل الثور الأسود الذي اكتفى بالتفرج على عملية تحويل الثور الأبيض إلى «مرتديلا سياسية»، ظناً منه أن سكوته سينجيه من الذبح! أما الأمر الثاني، فهو وجود بعض الأصوات التي مازالت تعتقد أن إيران يمكن أن تتصادم في يوم من الأيام مع إسرائيل رغم أن الطرفين يتفقان بقوة على مشروع تدمير وتفتيت العالم العربي!

* كاتب سعودي