هناك سؤال معلق لم يجب عنه حتى الآن وهو يتركز على حقيقة ما بين المثلث السياسي في هذه المنطقة، الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، من تباعد وتقارب، وهل هناك إمكانية لتتحول الخصومة الظاهرية بين أضلاعه الثلاثة إلى تفاهم على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، بحيث تكون المحاصصة المفترضة بين هؤلاء على حساب العرب الذين يبدو أن غيابهم عن أي تأثير في هذه المعادلة الآخذة في التشكُّل لا يحتاج إلى براهين أو أدلة؟!
واقع الحال يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تريد أي عمل عسكري ضد إيران، لا الآن ولا في المستقبل القريب، وذلك في حين أن إسرائيل تهدد بمثل هذا العمل وهي تضغط ضغطاً شديداً على الأميركيين من أجل إعطائها الضوء الأخضر بهذا الخصوص، والهدف هو الابتزاز لفرض نفسها على هذه المعادلة الشرق أوسطية التي تتشكل حالياً بين هذه الأطراف الثلاثة، والعرب ينشغلون بمعارك جانبية بين بعضهم بعضاً، وبمعارك وهمية تفتعل افتعالاً لأغراض خاصة ولنزوات فردية.في الظاهر تبدو إيران كأنها في مواجهة مع الولايات المتحدة، التي يصفها مرشد الثورة ومعه الرئيس محمود أحمدي نجاد وآخرون من كبار المعممين ومن كبار جنرالات حراس الثورة وفيلق القدس، بأنها الشيطان الأكبر، وفي الحقيقة فإن حتى الضغط على أطراف أصابع الأميركيين سواء في العراق أو في أفغانستان هو من أجل أن يكون الرقم الإيراني في المعادلة الشرق أوسطية، التي تتشكل حالياً، رئيسياً، ومن أجل أن تكون طهران شريكاً في تقاسم النفوذ في هذه المنطقة التي تتعرض الآن لما يمكن اعتباره "يالطا" جديدة.حتى عندما يرد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي على تقرب باراك أوباما إلى إيران، وفقاً لما جاء في الشريط الذي أهداه إلى طهران بمناسبة عيد "النوروز"، بهذه الطريقة القاسية، ويعتبر أن نوايا الإدارة الأميركية تجاه بلاده غير صادقة، وأن الرئيس الأميركي متآمر، وأنه سعى إلى إشعال نيران حرب أهلية إيرانية من خلال الاضطرابات التي أعقبت انتخابات يونيو العام الماضي 2009، فإن كل هذا يأتي في حقيقة الأمر من قبيل التـَّقرُّب من موقع القوة والدليل أنه، أي مرشد الثورة، قد ألمح إلى الاستعداد للرد إيجابياً على توجهات واشنطن التـَّقرُّبية، وذلك عندما قال في خطابه الأخير في مدينة مشهد: "إن نظرة الإيرانيين الثاقبة كشفت أن وراء القفاز المخملي الذي يرتديه ساسة أميركا قبضة فولاذية".وهذا يعني أن هناك شيئاً ما يجري خلف سحب المواجهة الإيرانية - الأميركية والإيرانية - الإسرائيلية المعلنة، ولعل ما يجب تذكُّره في هذا المجال أن إيران، التي تقول يومياً في إسرائيل أكثر مما قاله مالك في الخمر، قد منعت بقرار حازم وقاطع من مرشد ثورتها الإيرانيين من التطوع لـ "الجهاد في سبيل الله" خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم والمدمر على غزة، وقبل ذلك خلال الحرب التي شنها الإسرائيليون عام 2006 على لبنان، وهذا يدل على أن لدى طهران "من حيث المبدأ" استعداداً لقبول الدولة الصهيونية، التي يبشر محمود أحمدي نجاد يومياً وعلى الطالع والنازل بإزالتها من الوجود، في هذه المعادلة الشرق أوسطية التي يجري العمل حالياً لاستكمالها بين أطراف المثلث الآنف الذكر، أي طهران وواشنطن وتل أبيب... فهل هذا ممكن؟ إنه ممكن في ظل كل هذا الغياب العربي على الساحة، وفي ظل انشغالات العرب بالجزيئات والقضايا الصغيرة الخاصة.
أخر كلام
هل هذا ممكن؟!
24-03-2010