المسؤولية مشتركة وموزعة بشكل شبه متساو بين مختلف مؤسسات الدولة ومكوناتها البشرية، ولكن يبقى مفتاح الحل الرئيسي في ضرورة تطبيق القانون، الذي تحفظ وتصان به الحقوق وحدود التعدي على الآخرين، ومن خلاله تستقر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

Ad

خلال النطق السامي في افتتاح فصل تشريعي جديد لمجلس الأمة أورد صاحب السمو الأمير أربعة ملفات اعتبرها خطيرة وتستحق الدراسة الجادة والعلاج الجذري، وهذه الملفات هي الوحدة الوطنية وتهديداتها، والعلاقة المتوترة بين السلطتين، ودور وسائل الإعلام، وضياع هيبة القانون.

وبحق تعتبر هذه القضايا الأربع من الخطورة بمكان لدرجة أنها قد تهدد وجود الدولة وبقاءها، ولكن الأخطر من ذلك كله أن هذا التشخيص وطرحه أمام الرأي العام يأتي من الرجل الأول في الدولة و«أبو السلطات» جميعاً، ومن المؤلم جداً أن تصل بنا الحال حد التراخي عن صمامات أمان المجتمع وكيانه العام حتى يطرحها أمير البلاد.

والإعلان عن ملفات خطيرة بهذا الحجم ومن أعلى سلطة سياسية ودستورية يجب أن يقابل بأعلى درجات المسؤولية والأمانة للتصدي لها ومعالجتها قبل وقوع أي كوارث سياسية جديدة أو أمنية بسببها، وإذا كانت المؤسسات الدستورية ممثلة في الحكومة ومجلس الأمة هي المعنية أساساً في هذا الشأن فإن المجتمع بأسره، وبما يضم بين دفتيه من مكونات اجتماعية وتقسيمات فئوية وملل مذهبية وقبلية وتيارات سياسية شريكة في الحل والإنقاذ.

فالملفات الأربعة مترابطة مع بعضها بعضا بشكل عضوي ومباشر وتشكل مجتمعة دائرة مغلقة يغذي كل ملف فيها بقية الملفات، فضياع سلطان القانون هو السبب الرئيس في تفتيت الوحدة الوطنية، حيث يستقوي المواطن إما بقبيلته أو طائفته أو المتنفذين من عائلته أو بتياره السياسي، إما لضمان حقوقه وإما في أحيان أكثر لسلب حقوق الآخرين سواء في التعيينات أو الترقيات أو تبوء المناصب العليا أو من أجل الاستيلاء على الأموال العامة أو لدخول الكلية العسكرية أو للحصول على العلاج بالخارج إلى آخر القائمة الطويلة من الطلبات والطموحات.

والإعلام خصوصا بعد اتساع رقعته صحافة وقنوات فضائية بدأ يسخّر إلى حد مهم في ضرب الأفراد والجماعات بعضهم ببعض، وتحول في بعض الأحيان إلى معاقل للتلميع أو التشهير تبعاً للمصلحة وحرصاً على جذب القراء أو المشاهدين بسبب المنافسة الشديدة نتيجة لزيادة عدد الصحف والمحطات التلفزيونية، بل أصبح من السهولة بمكان اقتناء وسيلة إعلامية بأبخس الأثمان وتسخيرها فئوياً.

أما فيما يخص العلاقة بين السلطتين فقد جيّر عموم الشعب الكويتي للاستقطابات السياسية للفوز بمقاعد مجلس الأمة عبر صناديق الاقتراع، ومن خلال دوائر انتخابية كرست وقننت كل أشكال التعصب الفئوي والقبلي والمذهبي والمناطقي، وكذا الحال بالنسبة للحكومة التي دأبت على شرعنة المحاصصة بكل أنواعها عند تشكيلها من جهة، أو اعتماد التكتيك السياسي المرحلي من خلال التحالفات المؤقتة واللعب على تناقضات المجتمع لتصفية حساباتها في كل مرة مع تيار سياسي أو شريحة من شرائح المجتمع من جهة أخرى.

ولذلك فإنه من الطبيعي جداً عندما تتداخل هذه الملفات وتستمر في تغذية روح الكراهية ونزع الثقة المتبادلة لفترات طويلة من الزمن أن تنتهي بمثل هذا التهديد الذي يواجه البلد برمته ويطول القلق من المستقبل حتى رأس الدولة المتمثل بسمو الأمير.

وقد لا تكون هناك عصا سحرية لحل كل هذه الإشكالات معاً، فالمسؤولية كما قلنا مشتركة وموزعة بشكل شبه متساو بين مختلف مؤسسات الدولة ومكوناتها البشرية، ولكن يبقى مفتاح الحل الرئيسي في ضرورة تطبيق القانون، الذي تحفظ وتصان به الحقوق وحدود التعدي على الآخرين، ومن خلاله تستقر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والقانون وحده هو الذي ساهم في خلق الاستقرار والتوازن في أكثر دول العالم المتنوعة دينياً وعرقياً وسياسياً فكيف لا يستطيع أن يفعل ذلك في بلد صغير مثل الكويت؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء