انعقد أمس الثلاثاء برعاية وزارة الثقافة المصرية ودعوة منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية ملتقى حول مدينة القدس وما تتعرض له من سعي إسرائيليٍّ دؤوب لـ " إبادة" هويتها العربية والإسلامية واقتلاع شعبها منها وتزنيرها بحزام من المستوطنات المتوحشة لخنقها وإزالة طابعها المعماري الذي بقي متواصلاً منذ العهد الكنعاني مروراً بمرحلة صدر الإسلام ثم الخلافة الأموية والعباسية والعهد المملوكي والأيوبي وصولاً إلى العهد العثماني الذي استمر نحو أربعة قرون وانتهى في الحرب العالمية الأولى.
في هذا الملتقى قيل كلام مكرر كثير، بعْضهُ يعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبعضه أعاد المستمعين إلى خطابات الجمل الجزلة الصاخبة والأفعال القليلة، لكن بعضه الآخر كان بمنزلة "تغميس داخل الصحن" كما يقال وركّز على أن الأخطر هو أن مدينة بحضارتها وثقافتها وطابعها المعماري تتعرض الآن لحرب إبادة حقيقية، وذلك إلى جانب حرب الإبادة التي تواصل إسرائيل تنفيذها ضد الشعب الفلسطيني. ولقد قيل من بين ما قيل في هذا الملتقى، الذي استمر يوماً واحداً، إن إسرائيل إلى جانب حروبها العسكرية المتعددة ضد العرب والفلسطينيين قد شنت حرباً سرية ميدانها العالم كله كان هدفها ولايزال إقناع سكان هذا العالم بالرواية "التوراتية" لتاريخ القدس وفلسطين، والمؤسف حقّاً أن الغياب العربي والإسلامي على هذا الصعيد قد أفْسح المجال للإسرائيليين لتحقيق نجاحات كبيرة، تمثلت في أن قطاعاً عريضاً من الرأي العام الغربي المؤثر قد صدَّق كذبة "الأرض الموعودة" وكذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". والآن، وقد قيل هذا في هذا الملتقى، ورغم استفراد الإسرائيليين بالساحة العالمية نحو ستين عاماً ورغم احتكارهم للوجدان العالمي خلال كل هذه السنوات الطويلة فإن هناك فرصة حقيقية وفعلية للاستفادة من كل تحولات السنوات الأخيرة، إذ بدأ الرأي العام العالمي يتفهم مأساة الشعب الفلسطيني ويتعاطف مع قضيته، وهذا يستدعي أن يتقي الفلسطينيون الله في قضيتهم، وأن يضعوا حداً لانقساماتهم، وأن يعود العرب إلى اعتبار هذه القضية قضيتهم، واعتبار القدس رمزاً لصراع تاريخي يجب ألا ينتهي مادامت محتلة. وهذا يقتضي أن يعيد العرب تنشيط "لجنة القدس" التي يرأسها الملك محمد السادس، وأن يساندوا الدور الأردني الذي أدرك مبكراً استهداف إسرائيل للقدس حضارةً وثقافةً وعُمراناً ومكانةً فبادر إلى سلسلة من الإعمارات التي بدأت بالإعمار الهاشمي في عام 1924، والذي استمر في حلقات متصلة إلى أن وصل إلى إعمار المسجد الأقصى المبارك أولاً، والذي تمثل في إعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي بتفاصيله الدقيقة، بالإضافة إلى ترميمات استهدفت ما أتى عليه حريق عام 1969 الذي نفّذه إسرائيلي مجرم بتخطيط من الحكومة الإسرائيلية، وثانياً إعمار قبة الصخرة المشرفة بتبرع سخيٍّ من الملك الحسين رحمه الله الذي بادر إلى بيع منزله من أجل هذه الغاية النبيلة.
مقالات
القدس مرة أخرى!
23-06-2010