بات واضحا أن البرلمان مع الحكومة اتفقا منذ مطلع العام، وتحديداً بعد خطاب سمو الأمير، على تشريع أكبر قدر ممكن من القوانين بهدف تغير الصورة النمطية المأخوذة عنهما بأنهما لا يجيدان سوى إضاعة الوقت والفرص. خلال شهر ونصف أنجز المجلس والحكومة قوانين العمل الأهلي، والخطة التنموية، وهيئة سوق المال، والمعاقين، وجميعها كانت حبيسة الأدراج طوال أدوار الانعقاد الماضية، كما يعتزمان إقرار قوانين الخصخصة، والشركات التجارية، والتأمينات الاجتماعية، قبل نهاية الربع الأول من العام الجاري، وأتوقع إذا استمر العمل بهذه الوتيرة السريعة أن ينفض دور الانعقاد الحالي على حزمة تشريعات ستسجل سابقة في تاريخ التشريع الكويتي بأن يكون دور الانعقاد الحالي هو الأكثر في تاريخ المجلس إقرارا للقوانين. لكن في الوقت ذاته، علينا أن ننبه إلى خطورة ما يجري، فالرغبة في الإنجاز يجب ألا تعمي السلطتين عن التأني في التشريع، لأن التسرع قد يقود إلى إغفال جوانب حيوية تنسف القانون، فهناك ملاحظات جوهرية تم التغاضي عنها أو إهمالها خلال مناقشات القوانين التي أقرها البرلمان حتى اليوم، ومن بينها عدم الاستئناس برأي المعنيين، أو تشكيل جبهات ضغط وتحالفات بين النواب وعقد صفقات من شأنها تمرير قوانين مقابل تمرير قوانين أخرى، بالإضافة إلى الانصياع وراء هوى الشارع، وهذه جميعها أمور لمسناها خلال الفترة الماضية، وأدت إلى تشريع قوانين مهلهلة وركيكة حتى في الصياغة اللغوية، مع العلم أنها أشبعت نقاشاً داخل اللجان البرلمانية المختصة بها.

Ad

لدينا في الكويت أزمة في آلية التشريع، فمشروع القانون ينجز داخل اللجنة البرلمانية المعنية، ثم يصعد إلى "قاعة عبدالله السالم"، ويكون أمام اتجاهين، إما أن يتم إدخال تعديلات عليه من قبل نواب ليسوا أعضاء في اللجان التي أنجزته، وبالتالي يفرَّغ من محتواه أو ينسف بالكامل ليولد محله قانون مشوه، وإما أن يُعاد إلى اللجنة المعنية لمزيد من الدراسة والبحث، وغالباً خلال فترة زمنية قياسية، وبعضها يصل إلى ساعة وساعتين، وهو ما حدث مع قانون شراء فوائد القروض والمعاقين والخطة التنموية، يضاف إلى ذلك تفشي سُنّة جديدة دأب عليها نواب مجلس 2009 متمثلة في إقرار المشروع في مداولته الأولى من حيث المبدأ، ثم قتله بالتعديلات والإضافات التي تحوله إلى مسخ تتعارض بعض مواده مع بعضها أو تغرد كل مادة من مواده خارج السرب، فقط لأجل إرضاء تيار أو مجموعة من النواب. التشريع في الكويت يتم بالطريقة التالية: الحكومة تلجأ إلى نواب وتسرِّب لهم أفكاراً تتواءم مع توجهها، يتبنى النواب الأفكار ويصوغونها في مشروع قانون يذهب إلى اللجنة التشريعية، ثم توافق عليه غالباً، ويسوقونه بين زملائهم بأنه قانون مهم وأساسي، والأهم أنه يحظى بموافقة حكومية، ثم يدخل حيز التشريع ويصبح بعدها قانوناً نافذاً، أما إذا جاء من طرف النواب فيشهد مساومة، إذ يسوق النائب مقترحه على زملائه، وعليه أن يأخذ بتعديلاتهم ليضمن أصواتهم، فيقول لهم إنه يريد تشريع قانون يمنح الكويتيين أموالاً وهم في بيوتهم، على سبيل المثال، فيقوم عدد من النواب بـ"المفاصلة" حول المبلغ الواجب دفعه أولاً، ثم يضيف كل منهم الشريحة التي يريد، كأن تعطى المرأة غير العاملة ضعف ما تأخذه المرأة العاملة، فيزيد آخرون بأن زوجة الكويتي غير الكويتية تستحق أن تدخل في الحسبة، ويطالب آخرون بإضافة العسكريين وأعضاء هيئة التدريس، وهناك من يعتبر المنتظرين في قوائم ديوان الخدمة المدنية بحال العاملين في الدولة، وبعد أن يدخل جميع النواب شرائحهم المستهدفة يتوجهون إلى اللجنة التشريعية التي تقره أيضا ويصعد للتشريع.

إن للتشريع أصولاً يجب أن تتبع، وهناك مختصون يجب أن يدلوا بآرائهم في أي تعديلات أو إضافات، لأن نواب المجلس ليسوا متخصصين، لكنهم للأسف يكابرون، وهذا واقع، وبالتالي نجد أن هناك تعديلات أضيفت على مشاريع قوانين خلال دقائق، كما رفعت أكثر من جلسة لتبحث اللجنة في تقريرها وتعيد رفعه من جديد للمجلس، وهذا سلوك فيه استنزاف للوقت والجهد، لكنه في الوقت ذاته يكشف لنا آلية اتخاذ القرار في الكويت، ومدى المسؤولية التي يتمتع بها المشرع، بالإضافة إلى الحاجة الماسة إلى تحسين الصورة أمام الشارع، حتى لو كان ذلك على حساب التشريعات التي تساهم في تنظيم المجتمع.

على الهامش:

تطرق الزميل سعد العجمي في مقاله الأسبوع الماضي إلى أن ما أسماهم "الوطنيون الجدد" يغمزون تجاه "الرمز أحمد السعدون" كما قال، وسبب تخليه عن رفاق الأمس، متسائلا: مَن الذي تبدلت مواقفه ومبادئه، هل السعدون أم رفاقه؟ وأنا أسأل بدوري: أيهما الأكثر احتمالية للصواب الأكثرية أم الفرد؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة