في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان الزعيم جمال عبدالناصر بـ«كاريزميته» الطاغية وشخصيته القوية وقيادته الواعية حاكما لمصر، وكانت القيادات الدينية المسيحية والإسلامية تحظى بتأييد واحترام شعبي كبيرين، فلم نكن نسمع عن أحداث طائفية أو دعوة لوحدة وطنية وعنصري الأمة... إلخ، فكل ذلك كان بديهيا لا يحتاج إلى ذكر أو شرح أو دعوة، وكانت العلاقة بين المسلم والقبطي علاقة أخوة ومحبة لا ينقصها دليل أو يعوزها برهان، وذلك كله لما تتمتع به القيادة السياسية والدينية من حب وتقدير واحترام جميع طوائف الشعب.

Ad

مع بداية السبعينيات وتولي الرئيس السادات الحكم، وما حدث في بداية عهده في مايو 1971، وما تركه ذلك من جرح عميق جعله يخشى من حوله، فدفعه إلى اتخاذ قرارات في اتجاه واحد (تأمين الكرسي والمنصب)، فبدأ السادات بمهادنة وتشجيع الجماعات الإسلامية للعودة مرة أخرى أملا في ضرب الشيوعيين (الأفنديات بتوع القاهرة) كما كان يصفهم، وكما هو ثابت تاريخيا فقد استغل السادات الجماعات الإسلامية والإخوان في ضرب الشيوعيين، وبالتالي كان من الضروري- من وجهة نظره- إظهار التعاطف مع الجانب الآخر كي يبدو عادلا، وكي لا تزداد شوكة الإسلاميين، أي أنه باختصار حارب الشيوعيين بالجماعات الإسلامية وكسر شوكة الإسلاميين بدعم الأقباط، (هكذا كان يفكر رحمه الله).

وبعد حرب 73 وانتصار أكتوبر، ومع بداية رحلة التفاوض السلمي وارتماء مصر في أحضان الولايات المتحدة، ودورانها في فلكها واعتمادها كليا عليها، بدأ بعض الأقباط في التساؤل: إذا كانت مصر تقتفي الخطوات الأميركية وتتبعها فلماذا لا يستفيدون عقائديا من ذلك؟ وجاء دور أقباط المهجر- كما يطلق عليهم- وبدأ الحديث والمطالبة بامتيازات أكثر ووجود أكبر.

ورحل السادات، وجاء النظام الحالي بنفس فكر السادات ونهجه، بل اتسمت تصرفات الحكومة والأجهزة الأمنية في العهد الحالي بالغباء الشديد تجاه الطرفين، فواصلت اعتقالاتها اليومية للإخوان المسلمين، ومنعت أقباط المهجر من التعبير عن رأيهم وعقد ندواتهم ومؤتمراتهم، بل دفعت بعض الكتّاب الحكوميين من الأقباط للرد عليهم والسخرية منهم وتشويه أفكارهم واتهامهم بالعمالة.

ونتيجة لكل ذلك زاد الاحتقان بين المسلمين والأقباط، وازداد التباعد بينهم، واختفت المودة والمحبة التي تجمعهم، وللأسف الشديد- وعذرا- لم تكن القيادات الدينية في كلا الجانبين من العقل والحكمة بحيث تسعى إلى السيطرة الحقيقية على الموقف، واكتفت ببعض البيانات الإنشائية والأحاديث البلاغية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويرجع فشل القيادات الدينية لانشغالها بالعمل السياسي والتقرب من النظام بدلا من الدور الديني المنوط بها، فضلا عن فقدانها للإجماع والتأييد الشعبي اللازم بين أتباعها، فحدث ما هو معروف من خلافات بين علماء المسلمين في الأزهر وانشقاق داخل الكنيسة وظهور تيارات كثيرة داخلها. وبدأت الأحداث الصغيرة تتوالى واستغلتها الحكومة- بغباء شديد- لإلهاء الشعب عن قضاياه ومشاكله الأساسية وأزماته الحقيقية، فأصبح اعتداء شاب مسيحي على فتاة مسلمة حديث الساعة، وبالرغم من تكرار حوادث الاعتداء بوجه عام داخل كلا الجانبين فإن الحكومة وأجهزة إعلامها جعلتا القضية في اختلاف الديانة! وكأنما أصبح الاعتداء بين أبناء الطائفة الواحدة مقبولا وبين الديانات المختلفة خطأ وجريمة!!

باختصار، ودون المزيد من التفاصيل التي قد تحرج الطرفين وتغضبهما، فإن ما يحدث من مشاكل بين المسلمين والأقباط وأزمات طائفية يعود أساسا إلى فشل القيادة السياسية في حل أزمات المواطن المصري (المسيحي والمسلم)، ويعود من جهة أخرى إلى فشل القيادات الدينية من الطرفين، وفقدان شعبيتها واختلاف الآراء حولها بين أتباعها. بينما المواطنون مسلمون وأقباط لا يعنيهم ما تتحدث به الحكومة وأجهزة إعلامها بقدر ما يهمهم ويؤرق مضجعهم صباح مساء ما يعانونه من مشاكل وأزمات يومية دفعت البعض للخلاص من حياته، فهل تتفهم الحكومة هذا؟ أم تنتظر ليتخلص جميع المواطنين من حياتهم؟ وتبقى هي سعيدة بخططها ولجنة سياساتها؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة