محاولات فك الحصار عن «حماس» تعطي نتائج عكسية
فقدت "حماس" اليوم كل شرعية دولية أكثر من الفترة التي سبقت حادثة الأسطول، ويتجلّى ذلك في البيان الذي أصدرته دول مجموعة الثماني، بما فيها روسيا، في ختام القمة الكندية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
بعد شهر على حادثة الأسطول التركي، نجح معسكر السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين حتى الآن بإعاقة أجندة "حماس" وداعميها. يتناول هذا المقال عواقب الحادثة سياسياً وعملياً، مع الكشف عن أسس هذه النتائج غير المتوقعة والسعيدة بالنسبة إلى أطراف عملية السلام في الشرق الأوسط.
ما من اعتراف دولي جديد بـ"حماس"أعطت التداعيات الأولية لحادثة إعاقة الأسطول، في 31 مايو، بضعة مؤشرات سلبية على أنّ "حماس" قد تكسب إجماعاً عالمياً أوسع. اقترح أحد البيانات الروسية إجراء مفاوضات مع "حماس"، مع إغفال شروط اللجنة الرباعية القائمة منذ وقت طويل والتي تنتمي إليها موسكو، فقد أقدم بعض الدبلوماسيين الأميركيين السابقين على إطلاق دعوات مماثلة، وردّ بعض المتحدثين باسم "حماس" عليها بادعاء تأييدهم لإقامة حوار مماثل، لكن ثبت فشل محاولات الانفتاح هذه.وفقاً لأحد المسؤولين الأميركيين، يبدي عدد من قادة "حماس" استعدادهم للخوض في اللعبة السياسية، لكن ليس بقدرٍ يكفي لإحداث فرق كبير. صرّح ممثل "حماس" أحمد بحر للصحيفة المصرية "المصري اليوم"، في 20 يونيو، أنّ الحركة تريد عقد اتفاق "يعيد الكرامة إلى الفلسطينيين، ما يلغي شروط اللجنة الرباعية والشروط التي فرضتها الولايات المتحدة"، وعبّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن حقيقة الوضع (ربما عن غير قصد)، في مقابلة أجراها في 28 يونيو، حين زعم بأنه قام شخصياً بإقناع "حماس" "إلى حدٍّ ما"– أي بشكلٍ غير كافٍ- بتعديل موقفها الرافض.نتيجةً لذلك، فقدت "حماس" اليوم كل شرعية دولية أكثر من الفترة التي سبقت حادثة الأسطول، ويتجلّى ذلك في البيان الذي أصدرته دول مجموعة الثماني، بما فيها روسيا، في ختام القمة الكندية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي. لا يذكر القسم المتعلق بعملية السلام شيئاً عن حركة "حماس". بدل ذلك، هو يعيد التأكيد على هدف إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية "تتعايش معها في سلام وأمان"، ويرحّب بقرار إسرائيل الذي يقضي بالتحقيق بحادثة الأسطول وتبنّي "سياسة جديدة" في التعامل مع غزة، ويوازن بين "حاجات سكان غزة" و"مخاوف إسرائيل الأمنية المشروعة"، ويحثّ على "تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية"- وقد جاءت هذه العوامل كلها على حساب "حماس"، ظاهرياً على الأقل. وذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أثناء كلامه في القدس، أنّ موسكو ستواصل تحاورها مع "حماس"، لكنه لم يَدْعُ إلى ضمّ الحركة إلى المداولات الدبلوماسية الأخرى.مصر تواصل الاحتواء السياسي والعمليلا تزال القاهرة تشعر بالانزعاج بسبب وجود "حماس" على حدودها، لكن لا نفع حتى الآن من دعم أي تدبير بديل، فقد فشلت محاولتها العشوائية لإضعاف قوة "حماس" في غزة من خلال رعاية اتفاق وحدة جديد مع "فتح". لفترة وجيزة بعد حادثة الأسطول، بدت تركيا حريصة على أداء دور الوسيط، لكنها كانت تميل إلى "حماس" هذه المرة، لكن بعد أسبوعين، تمكنّت مصر والسلطة الفلسطينية من ردع هذه المبادرة جزئياً من خلال حشد إجماع عربي غير رسمي ضدها.ما يثير السخرية هو أنّ سياسة الاحتواء هذه تُوّجت بزيارة غير مسبوقة قام بها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى إلى غزة التي تحكمها "حماس"، في 13 يونيو، وفي أثناء وجوده هناك، كرر دعوة "حماس" إلى توقيع خطة المصالحة المصرية التي رفضتها في شهر أكتوبر الماضي، لكن شرح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في 26 يونيو، أنّ قادة "حماس" "يصرّون على رفض الوثيقة المصرية لأنهم لا يريدون أن تعود السلطة الفلسطينية الشرعية إلى غزة". خلال الأيام الماضية، ازدادت حدّة الإهانات العلنية المتبادلة بين القاهرة و"حماس"، وفي 28 يونيو وصفت صحيفة "الأخبار" المصرية شبه الرسمية "حماس" بـ"الحركة الانفصالية المشبوهة"، وشكرتها بكل سخرية على تمكين القاهرة من التهرّب من معضلة مفاوضات الوحدة الفلسطينية.ميدانياً، دفعت العوامل الأمنية والسياسية مصر إلى التردد في فتح حدودها مع غزة، وفي يوم حادثة الأسطول عينه، كان ملفتاً إقدام فلسطينيين على قتل جندي مصري خلال حادثة إطلاق نار على خلفية الجدار الفولاذي الجديد الذي تبنيه القاهرة لسدّ أنفاق التهريب، إذ يتواصل العمل على بناء الحاجز بشكل متقطّع اليوم. وفضلاً عن ذلك، ذكر المسؤولون المصريون التطورات الأخيرة في إسرائيل، حيث دعا ثلاثة وزراء إلى وقفٍ أشمل لعملية تزويد غزة بالماء، والوقود، والكهرباء، وإمدادات أخرى، وقد يؤدي أي انفتاح مصري إضافي إلى الوقوع في فخ تلك المناورة، ما سيُجبر القاهرة على تحمّل مسؤولية أكبر في غزة تزامناً مع تقوية "حماس" وخضوع مصر لنفوذها.بالتالي، يبقى موضوع إعادة فتح معبر رفح، وهو المعبر الوحيد الذي يربط بين غزة ومصر، مجرّد كلام شفهي أكثر منه واقعيا. في 29 يونيو مثلاً، منعت مصر موكب مساعدات أردني من الدخول إلى الأراضي- وهو آخر حدث ضمن سلسلة من التدابير المماثلة التي تُتخذ منذ سنوات، وتلقي الإدارة المصرية اللوم في هذه الفوضى على عناد "حماس"، وفي هذا الإطار، كتب المعلق الشهير عبدالمنعم سيد علي في صحيفة الأهرام، في الأسبوع الماضي، أنه "على عكس الاتهامات الشائعة التي تُوجَّه إلى مصر، تُعتبر "حماس" الطرف الثاني، بعد إسرائيل، الذي يعزز الحصار على غزة". مؤشرات على تخفيف الحصارطرح المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون، علناً وفي المجالس الخاصة، تقييمات متضاربة حول تأثير التعديلات التي ستطول الحصار على "حماس"، وذكر أحد المراقبين الأميركيين أنّه في حال المباشرة بإعادة البناء، فسيتوجه حوالي 40 ألف طفل من غزة إلى مدارس تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بدل "حماس". ألمح المفوّض الجديد في الأونروا، فيليبو غراندي، إلى الفرق الذي سيحدثه أمر مماثل، من دون ذكر "حماس"، واعتبر أنّ الأونروا هي "قناة" لترويج "القيم الجوهرية كتقبّل التنوع، والتعايش السلمي، واللاعنف، واحترام حقوق الإنسان وكرامة كل فرد من دون أي تمييز".وأكد مسؤول دبلوماسي غربي آخر في أحد المجالس الخاصة أنّ الحصار "ساعد حماس عن غير قصد لكنه لم يساعد سكان غزة". برأيه، سيؤدي تخفيف الحصار على الأرجح إلى عكس ذلك الوضع، ورغم ذلك، حذّر المسؤول من أنّ "حماس" كانت تحاول أصلاً الإشراف على مشاريع غير حكومية جديدة، وفي 28 يونيو، أدان مدير الأونروا في غزة ما سمّاه بـ"الهجوم الجبان والمشين" الذي نفّذه متطرفون إسلاميون ضد أحد المعسكرات الصيفية التابعة لمنظمته. لا يكمن أي حل مستقبلي فعليّ في زيادة كمية الموارد الإضافية الخاصة بغزة، بل بالتحكم بعملية توزيعها محلياً.اشتداد الخصومة بين "فتح" و"حماس"تشير تقلبات الوضع بعد حادثة الأسطول التركي إلى أمرين واضحين على مستوى الخلاف الفلسطيني الداخلي: لا تقتصر المشكلة على مجرد حرب إعلامية، ويبدو أنّ أيّاً من الطرفين لن يستسلم قريباً. لا تزال حركتا "حماس" و"فتح" تتبادلان الاتهامات الخطيرة. وفي 24 يونيو أعلن كبير المسؤولين في "حماس"، محمود الزهار، أن "لا حاجة إلى إطلاق الصواريخ من غزة، بل يجب إطلاقها من الضفة الغربية، غير أنّ [رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس] لن يسمح بحصول ذلك". في اليوم نفسه، أعلن العضو في "فتح"، نبيل شعث، صراحةً أنّ "حماس كانت مسؤولة عن الطريق المسدود الذي وصل إليه الوضع الراهن".وبالنسبة إلى معدل التأييد الشعبي، لم تسجّل "حماس" أي تقدّم في استطلاع الرأي الفلسطيني الذي نُشر علناً بعد حادثة الأسطول (بين 10 و13 يونيو)، في حين لا تزال "فتح" متقدمة بنسبة 45% مقابل 25%، وهي النتيجة نفسها التي سُجّلت في مارس. لكن تذكّر هذه المعطيات بتردد الفلسطينيين في اتخاذ موقف موحّد، وقد أظهرت "فتح" قلة ثقتها بقرار شعبها حين ألغت الانتخابات المحلية التي كانت ستُقام هذا الصيف.ميدانياً، تتابع السلطة الفلسطينية اعتقال ومضايقة الناشطين في "حماس" في الضفة الغربية، وتقوم "حماس" بالأمر نفسه بحق الناشطين في "فتح"، بالإضافة إلى قصف فرع مصرفي في غزة لمصادرة الأموال من حساب مجمّد بقرار من السلطة الفلسطينية. يخوض الطرفان أيضاً خلافاً حول التكاليف، ما أدى إلى إغلاق مصنع الطاقة الوحيد في غزة. في هذا السياق، قال مدير الأونروا في غزة: "إنها مشكلة فلسطينية، فهي من صنع الفلسطينيين وتسبب معاناةً للشعب الفلسطيني".في ظل هذا المناخ، سيعيق تبادل الاتهامات حصول أي محادثات لعقد مصالحة فلسطينية، وتؤكد الصفحة الرئيسة في صحيفة "الحياة الجديدة" شبه الرسمية والتابعة للسلطة الفلسطينية هذا الواقع، ففي اليومين الأخيرين، انحصر الحديث عن إقامة مناقشات لتحقيق الوحدة على مستوى غير رسمي، وصدر التعليق الرسمي الوحيد عن عضو في لجنة "فتح" المركزية، حيث لام هذا الأخير "حماس" على إفساد جهود الوساطة المصرية.خلاصةللمرة الأولى، يعرض موقع إلكتروني تابع لـ"حماس" الوضع الحقيقي كما هو: في 24 يونيو توقّع المركز الإعلامي الفلسطيني عدم حصول أي تغييرات سياسية جذرية بعد الهجوم على أسطول الحرية. في الواقع، قد يساهم إظهار الصبر والمثابرة بشكل دائم من جانب الولايات المتحدة، ومصر، والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل، وغيرها من الأطراف، في مساعدة الناس في غزة من دون إغناء أو تقوية أو تشجيع حكّامهم في حركة "حماس". ليس هذا الشرط كافياً بأي شكل لإحراز تقدم فعلي باتجاه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكنه شرط ضروري.David Pollock* مسؤول رفيع في معهد واشنطن، ويتركز عمله على الديناميكية السياسية في بلدان الشرق الأوسط.