فقرة كنت أقرؤها دوماً في الكتب التطويرية تقول: «انتبه لأفكارك لأنها ستصبح كلماتك، وانتبه لكلماتك لأنها ستصبح تصرفاتك، وانتبه لتصرفاتك لأنها ستصبح عاداتك، وانتبه لعاداتك لأنها ستصبح شخصيتك، وانتبه لشخصيتك لأنها ستصبح قدرك»، وغالباً ما كنت لا أرى فكرتها إلا في سياق الموضوع الذي كانت تجيء فيه، لكن في الأمس القريب، وفي لحظة تأمل، استرجعت هذه المقولة فوجدتها تصدق أيضاً في حقنا جميعاً إزاء موضوع الطائفية.

Ad

نحن جميعا، وبحكم النشأة، نولد في بيئات «منفرزة» فئوياً وطائفياً، فحتى لو لم يكن ذلك ظاهراً جداً في بعض الحالات، فإنه يظل موجوداً على مستوى الواقع المعاش والعلاقات والتفاعلات المجتمعية، ويأخذ هذا الفرز الفئوي والطائفي بالسطوع أكثر مع مرور الزمن وتعرض الواحد منا للرسائل ذات المضامين الفئوية والطائفية المختلفة، سواء من الناس أو من وسائل الإعلام، وذلك في المحيطات المجتمعية المختلفة كالمدرسة والجامعة ومؤسسة العمل والمجتمع ككل وهكذا، ولهذا وحين يبلغ المرء أشده، يكون قد «انفرز» و»تصنف» فئوياً وطائفياً بشكل تلقائي، إن لم يكن على مستوى إدراكه الشعوري والعقلي، فعلى مستواه اللاشعوري اللا محسوس.

و»انفراز» الناس فئوياً وطائفياً على مستوى اللاشعور، وإن كان غير واضح للوهلة الأولى، هو في الحقيقة أمر خطير جداً، لأنه عند المحك الفئوي أو الطائفي الحقيقي الأول الذي قد يتعرض له الإنسان في حياته، وهو سيتعرض لذلك حتماً، سرعان ما ستسيل هذه الكوامن النفسية على أفكاره وستوجهه نحو الانتصار «والتحزب» لفئته أو طائفته، ولو على غير الحق، ربما حتى دون أن يدرك أنه وقع في ذلك، فحينما تكون الأفكار قد «تلوثت» فئوياً وطائفياً، فسرعان ما ستصبح كلمات، والكلمات سرعان ما ستصير تصرفات، والتصرفات سرعان ما ستصبح عادات وصفات دائمة، وهذه هي ما تشكل الشخصية، ومشكلة كبيرة حقاً أن تكون شخصية الإنسان هي أنه إنسان فئوي طائفي!

أعتقد جازماً ألا أحد منّا في معزل عن الوقوع في هذه المتتابعة المرعبة، فكلنا عرضة لها دون شك، كما أن ظروف واقعنا المجتمعي كلها تعزز الفئوية والطائفية، ولم نرَ أي اهتمام «معتبر» من أي جهة رسمية أو غير رسمية للتصدي لهذا الذي يجري، سواء على مستوى التربية والتعليم، أو على مستوى الإعلام، أو على أي مستوى آخر.

لذلك فلا حل متاحا لمعالجة هذا الخلل، إلا الحل الفردي، الذي يقوم على مستوى الفرد بينه وبين نفسه، وعلى مستواه وأسرته وأهله ومحيطه القريب الذي يملك قدرة للتأثير فيه، كالأقارب والأصدقاء وما شابه.

ويكون طرف الحل من خلال سيطرة الإنسان على نفسه وتشغيل زر الإدراك العقلي، وذلك بأن يدرك ويؤمن أولاً أنه غير معصوم حتماً مما ذكرته أعلاه، وأن يرغب بعدها «صادقاً» في أن يتغير ويتخلص من ذلك إلى أقصى حد ممكن، ويشرع بعدها في مراجعة أفكاره وأقواله ومواقفه، ووضعها على الميزان ليرى إن كانت الكفة تميل فئوياً أو طائفياً دون حق أو لا، وأن يستمر على نفس المنوال بعد ذلك وهذا هو الأهم، وأن يتذكر دائما بأنه عرضة «للخطف» فئوياً وطائفياً حتى دون أن يشعر.

يجب على كل إنسان منا أن ينتبه إلى كيف تتشكل شخصيته ونفسه لأنها إن هي صقلت وتشكلت على الحالة الصلبة الجامدة فسيصعب العلاج ولا يمكن التغيير، فانتبهوا يا رعاكم الله!