في مثل هذا اليوم!
أسوأ القادة وأكثرهم بؤساً هم أولئك الذين لا يقرأون التاريخ، والذين إن قرأوه فإنهم يقرأونه بعيونهم لا بعقولهم أو قلوبهم، وهذا كان هو واقع صدام حسين الذي لو أنه استفاق الآن واسترد عنقه الذي مزَّقته حبال المشنقة لاكتشف بعد عشرين عاماً من تلك الجريمة النكراء، التي ارتكبها في مثل هذا اليوم من عام 1990، أنه لا يستحق أن يقود بلداً عظيماً بشعبه وقدراته ومكانته التاريخية مثل العراق، وأن مؤهلاته لا تعطيه أكثر من أن يكون زعيم عصابة إجرام مصيره غياهب السجون.
لو أن صدام حسين استيقظ في الذكرى العشرين لجريمته، ولو لثانية واحدة، لوجد أن كل مراهناته كانت مراهنات زعيم عصابة أحمق، وأن الكويت التي أطلق اسم المحافظة التاسعة عشرة عليها هي اليوم أفضل بألف مرة مما كانت عليه قبل غزوه المشؤوم، وأن شعبها ينعم برخاء أوضاع سياسية ومعيشية غير متوافرة إلا للدول السبَّاقة في ديمقراطيتها والمتجذرة في تقدمها الاقتصادي، وأن الشعب العراقي العظيم، الذي فرض نفسه عليه بالقوة، هو أكثر شعوب العالم بؤساً وليس شعوب المنطقة فحسب، وأن العراق "أبوالخيرات" أصبح بعد أن دفع ثمن نزواته ينام على الجوع بلا ماء ولا كهرباء، وكأنه ليس بلد الرافدين، ولا أحد أكبر خزانات النفط في الكرة الأرضية. كانت نوايا صدام حسين دائماً سيئة، وكان ضميره دائماً يعاني أمراضاً كثيرة، ولعل الذين عاشوا مرحلة ثمانينيات القرن الماضي يذكرون أنه كان قد أطلق تصريحاً قال فيه رداً على تساؤلات كثيرة كانت تتردد حول هذا الأمر: "إن حدود الكويت الشمالية تمتد إلى زاخو"، أي إلى نقطة تلاقي الحدود التركية - العراقية – السورية عند "معبر إبراهيم" على نهر الخابور، وهكذا وعلى خلاف ما فهمه البعض من هذا التصريح فإن ما قصده هذا الرجل، الذي كان مصاباً بكل عُقد التاريخ، هو ما اندفع إلى تحقيقه بقوة الدبابات في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاماً. كل حسابات صدام حسين وتقديراته كانت خاطئة، فقد ظن أن الأميركيين سيوافقون على إلغاء دولة الكويت، وضمها إلى العراق على أنها المحافظة التاسعة عشرة مكافأة له على تصديه للثورة الإيرانية، وثبت كم أن هذا الظن كان غبياً، وكم أن نظرته كانت قاصرة، وهو اعتقد حتى بعد أن بدأت حرب أبريل 2003 أن تدخلاً دولياً سيوقف هذه الحرب، وأن تسوية ستتم، وأنه سيخرج زعيماً منتصراً كما خرج جمال عبدالناصر مِنْ حرب السويس في عام 1956، وثبت أن رهانه هذا كان رهان زعيم عصابة، عضلاته منتفخة، لكن رأسه فارغ، وقراءته لِلَعب الأمم لا تتعدى قراءة طفل مصاب بداء التوحُّد. ذكر لي زعيم عربي كبير كان قد زار بغداد بعد أيام من جريمة غزو الكويت وتوقف في عمان، وهو في طريق عودته إلى بلده، أن صدام حسين قد أبلغه، وهو في ذروة التباهي بما فعله، بأن ضم القدرات النفطية الكويتية إلى القدرات النفطية العراقية، سيجعله يتحكم في نحو 25 في المئة من نفط العالم، وأن هذا يستحق مغامرة حتى وإن كانت نتيجتها قصف بغداد بقنبلة نووية، فهل يوجد غباء أكثر من هذا الغباء... وهل توجد عقلية انتحارية أكثر من هذه العقلية المريضة؟!