أمام مرأى العالم
1 -
تهربين من العائلة، لأنكِ خائفةٌ مِنْ قِطارِ الأيام. الأمثالُ قويَّةٌ، لكنها بلا آلهة. يكفي أن يرفع الزمَنُ عَيناً واحدةً، لينظرَ من خلف الزجاج: لن تصنعي بهذا حياة ولا موتاً، لن تصنعي سَاحة، تمثالاً فوق السَّاحَةِ، غُصناً صَغيراً تحت غيوم نيدالا. أنتِ امرأةٌ بَرِّيةٌ ويُمكنكِ هذه الليلة أن تكوني ضيفة الثلج والغابات. أن تسمعي، وأنت واقفة فوق الجسر، صرخة إدوارد مونك، قويَّةً، واضحةً، لكي تعرفي أنَّ الحقيقة بابٌ مُغلق. لهذا لن ينظر أحد إلى جمالكِ العابر فوق البحيرة. 2 - في ساحة فَيرِنْهَيْم تكفي الإشارةُ. يمر الأعمى مع كلبه وهو يُلوِّحُ للريح أن تأتي. ليس مهماً أن تتبعَ آثار الظلال في شتاءٍ طويلٍ كهذا. المُهمُّ أن تَنظرَ إلى وجوه المشردين في الساحة وهُم يتمايلون على أنغام عيد الميلاد، أشباحٌ يتقافزون فوق العشب. الصَّيدليةُ في رُكْنٍ قصِيٍّ تُقدِّمُ للزبائن هذا اليوم حبوب السعادة. الحافلة ترمي صَبياً يُريدُ أن يَركُلَ التاريخ برجليه. من الجحيم يقول الصَّبيُّ: إنني عائدٌ من الجحيم وكآبتي بَيضاءُ. في فِيرِنْهَيْم يَستيقظُ الملاك وهو يَنقلُ التماثيلَ مِنْ مَكانٍ إلى آخر، وفي فِيرِنْهَيْم تُنتَشلُ الحقائق مثل الجُثث ويعزف الثلج نغمته الأخيرة فوق سلالم المنتحرين. 3 - في أغوسْتنبوري، على ناصيةِ الشارعِ يَقبعُ ذلك الرَّجلُ كأنهُ بلا مَلائكةٍ، مع أنَّ مِنْ عينيه يطلع بخورٌ وأعمدةٌ، صورٌ وأخيلةٌ تُضاءُ بأنفاسهِ القليلة النادرة. كأنَّ أغوستنبوري ليس مكاناً ولا منفى، كأن الموسيقى مُؤلمَةٌ تحت النافذة وصُورة الأخت (بالأبيض الأسود) فجر الحالمين. أوراقه البيضاء حنينٌ نائم بين طيات شعرهِ، لهذا ربما يُضيف قمراً في الكأس للذاهبين إلى الصحراء أو البراري، كأن الذاكرة ثقيلة، مليئة بالأحجار، كأنها يدٌ مرفوعة ستقبض على الجوهرة الثمينة في شتاء أغوستنبوري.