الإعلام هو القنبلة النووية التي يخشاها الجميع، هو السلاح الذي إذا رفعته عالياً خضعت الرقاب، وكم من قليل أصل، وكم من نذل، وكم من متسلّق، أُفسحت لهم المجالس لامتلاكهم القنبلة النووية، الإعلام... و"أم الهيمان" – الملوثة بيئياً - لا إعلام لها، لذا لا أحد في هذا الزمن الملوث يلتفت إلى أحزانها، الجميع تركها تبتلع الآلام وتدخّن الآهات. سنوات وهي تئن ولا مجيب. تصرخ: "أنا آدمية"، فيردّون: "أنتِ والكلاب الضالة كأسنان المشط، مأواك المصانع وبئس المصير".

Ad

أم الهيمان رمت شالها الوردي، وأهملت تسريح شعرها. لم تعد شوارعها تكترث بقبلات المطر المبلولة. لم تعد ترفع رأسها لتجيب نداء الرعد. لم تعد تقابل عشيقها فوق السطوح بحجة نشر الغسيل. أم الهيمان تعيش في بيجامة نومها منذ فترة، لم تتزين، وهل تتزيّن مريضة قلب أهملها أهلها؟

يجيبني أحد سكانها عندما سألته عن سبب اختفائه: "ستجدني في المستشفيات والصيدليات المناوبة. حفظت أسماء الأدوية وعناوينها". بشّرته: "اطمئن، ستنقل الحكومة اجتماعاتها إلى أم الهيمان تضامناً معكم، كما فعلت حكومة جاك شيراك عندما احترقت الغابات المتاخمة لسكان الريف الفرنسيين، إذ عقدت الحكومة الفرنسية اجتماعاتها على مدى أيام في عربة كبيرة متنقلة بالقرب من المناطق المنكوبة إلى أن قطعت عرق المشكلة وسيّحت دمها، وشيراك لا يحب شعبه أكثر مما يحب الشيخ ناصر المحمد شعبه... تلفّتوا حولكم وستجدون عربة كبيرة متنقلة محاطة بحراسة".

وأمس، تذكرت حكاية الأم التي لديها من الأبناء عشرة، وكل منهم يعتقد أن الآخر تكفّل بإطعامها، فاعتادت النوم على لحم بطنها، وعندما تنبه أحد أبنائها، حمل إليها وجبة، فاعترض أخوه طريقه وأبلغه: "أمّنا تناولت عشاءها كما أبلغني أشقاؤنا، لا تقلق"، فرجع الأول يحمل وجبته، وماتت أمهم جوعاً. واليوم يحمل النائب خالد الطاحوس وجبة العشاء فيعترض النائب سعدون حماد طريقه مطمئناً: "لا تقلق"، ويصرخ شقيقهما الثالث النائب خالد العدوة: "أخشى على أمنا من التخمة"، فيغضب النائب فلاح الصواغ: "تقدم يا الطاحوس وسنتبعك بصحن الفاكهة، أنا وكتلة التنمية والإصلاح"، ويصمت بقية الأشقاء العشرة... ويواصل الطاحوس وكتلة العمل الشعبي المسير حاملين صحن العشاء إلى الأم الجائعة.

***

موعدنا الليلة في ساحة الإرادة لنعلن رفضنا كسر الأقلام وخنق الحريات. موعدنا الليلة لنكشف زيف جمعية حقوق الإنسان الراقصة في بلاط الحكومة، التي انتظرت أسبوعاً كاملاً، وبعد أيام من تجاوب منظمة حقوق الإنسان العالمية، قبل أن تستأذن لتكتب بياناً خجولاً ولا خجل العروسة ليلة دخلتها. ولله در الزميل الدكتور غانم النجار، المهتم صدقاً بحقوق الإنسان، بغض النظر عن البطاقة المدنية لهذا الإنسان. موعدنا الليلة لنثبت لأنفسنا قبل الآخرين أننا شعب حر لا يقبل الاقتراب من كرامته، والحريات كرامة.