أكد الفلكي د. صالح العجيري أن مرحلة الغزو كانت من أقسى المراحل التي مرت عليه طوال حياته، ولن يمر عليه اقسى من تلك الذكرى التي وصفها بالأليمة.

Ad

وقال العجيري في حديث لـ"الجريدة" عن ذكرياته وقت الاحتلال إنه عانى واسرته الأمرين، كما هو حال الكويتيين بسبب الابتعاد عن الوطن، والغربة، مشيرا إلى أن ما حدث لم يكن صدمة وفاجعة للكويتيين فحسب، إنما لكل دول العالم، لأنه لم يتوقع احد او يتخيل ان يحتل جار مسلم جاره الذي ساعده في ايام المحن. وأكد العجيري ان الغزو جسد تكاتف الكويتيين وتلاحمهم وحرصهم على بلدهم، مشيدا بمواقف الدكتور أحمد الخطيب وأحمد الربعي والشيخ خالد الأحمد وعائلة الصقر التي قال فيها ان ديوانية هذه العائلة كانت مصدر تفاؤلنا بعودة الكويت.

وفي ما يلي نص الحديث:

• كيف تقيم مرحلة الغزو الغاشم على البلاد؟

- كان الغزو الغاشم مفاجأة موجعة ليس لجميع الكويتيين فحسب انما للعرب والعالم كله، إذ لم يتوقع عاقل ان يقدم رئيس دولة عربية مسلمة على غزو واحتلال بلد عربي مسلم وجار، إذ خرق الغزو الصدامي للبلاد كل المواثيق الإنسانية والأعراف الدولية بهذه الجريمة البشعة التي لم يتقبلها العقل الانساني، واذكر في هذا الاطار اننا لم نصدق خبر الاحتلال، وكنا نعتقد انه اكذوبة، لكن بعدها تيقنا من الامر، صدقنا ذلك، وكانت تلك الايام بالنسبة لنا فاجعة كبيرة استطاع من خلالها الغازي ان يروع شعبا آمنا مسالما عرف بجوده وكرمه مع كل الدول وخاصة العراق لكن ربما من قام بهذه الجريمة كان طامعا بهذه الارض الطيبة، لكن في المقابل خذله الله، فالكويت ارتفعت وهو ذهب الى غير رجعة.

• أين كنت وقت الاحتلال وكيف تلقيت خبر الغزو؟

- كنت كالعادة مسافرا خارج البلاد وكانت وجهتي الاولى الى القاهرة حيث كانت زوجتي رحمها الله تعالج هناك، بعدها اتجهنا الى اكمال العلاج في لندن، وعند يوم الثاني من اغسطس سمعنا بخبر الغزو وكنا نعتبره مزحة من بعض الكويتيين الذين كانوا موجودين في لندن للاصطياف، ولكن بعد ان نشر الخبر احببت ان اتأكد من ذلك بنفسي ومن خلال جهة رسمية فذهبت الى سفارتنا في لندن واستفسرت عن حقيقة ما سمعناه عن غزو الكويت، واذا بالعاملين هناك يؤكدون خبر احتلال العراق للكويت فعدت الى المنزل لأخبر زوجتي والاولاد هناك، والجميع غير مصدق، فذهبنا لنفتح اجهزة التلفزيون والاذاعة واذا بالجيوش العراقية تجتاح الكويت، وكنا نعتقد ايضا ان الامر وصل فقط الى حد الاشتباكات على الحدود العراقية- الكويتية لكن بعد مهاتفتي لابنتي في الكويت من لندن اخبرتني بأن الجيوش والدبابات العراقية اجتاحت كل المناطق، ودخلت كيفان مكان اقامة ابنتي لنشعر وقتها بالفاجعة التي لم نحسب لها حسابا.

واضاف قائلا: لعبت دورا كبيرا وقتها في تهدئة نفوس اهل بيتي الموجودين معي في لندن وبعض الكويتيين، وأقنعتهم بأن وضع الغزو مؤقت ولن يدوم ثم استدعتنا سفارة الكويت وابلغتنا بحقيقة الاوضاع واطلعنا على كل ما يحدث في الكويت من اجتياح غير مسبوق، وتم حصر اعدادنا وعناويننا وبدأت مسيرة النضال من الخارج في لندن.

• من الأشخاص الذين تذكرهم من المقيمين في لندن الذين كانوا هناك لحظة الاحتلال وكيف كانت مشاعرهم؟

- كانت العوائل الكويتية كثيرة في لندن نظرا لفصل الصيف وكان بلد الضباب من البلدان المحببة للكويتيين في الصيف واذكر في هذا الصدد د. احمد الخطيب ود. احمد الربعي والشيخ خالد الاحمد وعائلة الجارالله وغيرهم من الكويتيين الذين لا تسعفني ذاكرتي لحصرهم، واذكر في هذا المطاف موقفا رجوليا وبطوليا لأحمد الخطيب عندما ارسل خطابا هو ومن معه من الذين كان يطلق عليهم بالمعارضة في الكويت الى الامم المتحدة أكدوا خلاله انهم ليس لديهم اي اطماع في الحكم وان الحكم لاسرة واحدة هي آل الصباح حيث جدد الكويتيون من هناك البيعة لأسرة الكويت اسرة آل الصباح.

وقد اثر ذلك الموقف في نفوس الكويتيين في لندن وزاد من تكاتفهم.

• كيف قضيت أنت ومن معك من الكويتيين الأشهر السبعة في لندن؟

- مرت علينا ايام الاحتلال صعبة جدا كنا نعاني فيها الم البعد عن الارض وفراق البلد الحبيب، حيث إن كل فراق قد يكون أخف وطأة إلا فراق الارض التي تعتبر الام والاب والولد وكل شيء في حياة الانسان، ولعل الكويتيين كانوا اكثر تعلقا ببلدهم، وزاد من صدمتهم ان من ارتكب الجريمة البشعة هو من كنا في يوم من الايام نساعده، لذلك كانت فترة الغزو صعبة جدا رغم ان الحكومة الكويتية في الخارج وسفارة الكويت في لندن كانتا قد وفرت لنا كل ما نحتاج إليه، ولم نشعر بأي تقصير، لكن الهم الاكبر كان احتلال ديرتنا التي كنا نبكي عليها "بدل الدموع دم"، وكان لا يهنأ لنا طعام ولا زاد ونحن نرى جيوش الطغيان يعيثون فيها فسادا وانتهاكا لهذه الارض الطيبة، وكنا نتتبع اي خبر او قادم من ديار الخليج لنستفسر منه عن اوضاع وطننا واهلنا في الكويت.

• كيف كانت تصل إليكم أخبار البلاد وأهل الكويت الصامدين وأنتم في لندن؟

- شكل الكويتيون في لندن مجموعة من الديوانيات، وكان ابرزها ديوانية الشيخ خالد الاحمد والصقر والربعي وغيرها من الديوانيات الاخرى، وكنا نتتبع الاخبار عن طريق اجهزة المذياع او بالارسال المباشر مع الحكومة في السعودية وسفارات الكويت في دول مجلس التعاون، وكان لديوانية الصقر وقع كبير في نفوسنا ومصدر تفاؤلنا بعودة الارض، كما كان للشيخ خالد الاحمد دور كبير في دعم الكويتيين، والتأكيد لهم ان الارض ستعود قريبا، لذلك كنا اذا اشتقنا إلى رائحة الكويت نذهب إلى الديوانيات، ولا انسى في هذا الاطار ايضا ديوانية اتحاد طلبة الكويت في بريطانيا، حيث لعب طلبة الكويت هناك دورا بارزا في رفع الروح المعنوية لدى الكويتيين ومساعدتهم.

وأوضح العجيري قائلا: لم نشك لحظة في ان بلادنا ستتحرر، وكنا نجلس يوميا نتباحث في امور البلاد، ونتأكد من الاخبار التي تأتينا من الكويت، وكان اغلبية الكويتيين يتجهون إلي لمعرفة موعد تحرير الكويت وكانوا يقولون "يا العجيري انت فلكي ولديك خبرة في عالم التنجيم متى ستحرر الكويت؟"، فقلت لهم لا اعلم وكانوا لا يصدقوني عندما اقول لهم ذلك، وبعد الحاح وعن طريق المصادفة قلت لهم إن البلد سيحرر في السابع عشر من يناير عام 1990، ولم اقصد اي شيء إنما كان تاريخا قلته، وفعلا عند هذا التاريخ بدأت عاصفة الصحراء، وعندما سمع الكويتيون في لندن ذلك الخبر هبوا الي يهنئوني بذلك اليوم، ويحملوني على الاكتشاف ويهتفون بأن العجيري مصدر تفاؤلنا بعودة بلدنا، وعندها اصبحت كلما اقول كلمة يصدقوني ولا يشكون في مصداقية حديثي.

• وبعدأن بدأت عاصفة الصحراء كيف كانت مشاعركم؟

- كنا لا نهدأ، نواصل النهار بالليل لمعرفة نتائج العمليات الحربية التي تجري في الكويت، وكنا نقوم ككويتيين بعمل مظاهرات في شوارع لندن لدعم قضيتنا، لكن بعد ان بدأت عاصفة الصحراء اصدرت السفارة تعميما بضرورة الكف عن القيام بهذه المظاهرات، نظرا إلى حساسية الموقف، وكنا نتابع الاخبار وننتظر اي بشرى تبث فينا الطمأنينة تجاه بلادنا واهلنا الصامدين، كما كنا في الوقت نفسه نتابع اخبار المقاومة، وكنا نحزن بل نبكي ألما عندما نسمع ان الجيش العراقي قتل او امسك برجال المقاومة، وما احزننا فعلا ما حدث في مجزرتي كيفان والقرين، عندما قاوم رجال الكويت ولفظوا انفاسهم في سبيل تحرير الارض، لكن ذلك كان دافعا معنويا لنا ومؤشرا على ان الكويت ستحرر.

• وماذا عن التحرير؟

- لم نشك قط في ان بلدنا الكويت سيحرر وكنت انشغل كثيرا بالحديث مع الشيخ خالد الاحمد بشأن موضوع التحرير، وكان دائما يقول لي إن بلدنا سيعود افضل من السابق، وفعلا في صبيحة السادس والعشرين من فبراير سمعنا خبر التحرير، واتجهنا إلى جهاز التلفزيون لنرى ان الجيوش العراقية تندحر، وان الكويت تحررت، وعندها خرج الكويتيون يجيبون شوارع لندن فرحا وابتهاجا بعودة الكويت بعد تحريرها، وعودة الشرعية الكويتية الى ما كانت عليه، وكنا نتوق وقتها لو كنا مع اهلنا في الكويت لنعيش هذه الفرحة التي لم يسبق لها مثيل بعد ايام الغربة والفراق التي عشناها بسبب احتلال بلدنا الغالي الكويت، ووقتها ورغم الآلام التي كانت تعتصر زوجتي فإن خبر التحرير انساها المرض والالم، وكانت فرحة جدا وتتحدث عن موقفها بلغة دموع الفرح.

• كيف كان تأثير خطاب سمو الأمير الراحل في الأمم المتحدة على نفوس الكويتيين في الخارج؟

- كنا نلمس فيه روح الأبوة ومحبة الأرض، لقد أبكانا ذلك الخطاب العتيد، وخاصة عندما بكى سمو الأمير الراحل، وهذا دليل حبه لأرضه ووطنه وشعبه.

• كيف كانت علاقتك مع سمو الأمير الراحل؟

- كانت علاقتي مع هذا الرجل الكبير المعطاء وطيدة جداً، بدأت منذ أن كان زميلي في أيام الدراسة الأولى إلى أن تدرجنا في المراحل التعليمية، وامتدت حتى آخر أيام سموه، إذ كان باستمرار يطلبني لزيارته وللحديث معه ليس هذا فحسب، بل كان سموه يحب الفلك كثيراً، وكرَّمني أحسن تكريم مادياً ومعنوياً، وخاصة في ما يتعلق بجوائز التقدم العلمي، إذ كان يمنحني الأوسمة وشهادات التقدير التي تحمل توقيعه، فضلاً عن تكريمه المادي، وأذكر موقفه جيداً عندما فزت بجائزة التقدم العلمي قبل وفاته، وألفت كتابا جديدا عن الفلك طلب من مدير مؤسسة التقدم العلمي منحي عشرة آلاف دينار رغم أن قيمة الجائزة خمسة آلاف دينار فقط، وبعد سؤالي لمدير التقدم العلمي لماذا؟ أجاب: هكذا يريد سمو الأمير، وعند ذهابي لشكر سموه، قال لي "تستاهل يا بومحمد أنت صديقي وزميلي في الدراسة وأحد الأعلام الذين تفتخر بهم الكويت"، لذلك كان سموه مثالا للتواضع والحكمة ويشجع العلم والعلماء.

• وماذا عن علاقتك بسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد؟

- أيضا علاقة وطيدة فأنا كنت زميل شقيقه الراحل سمو الشيخ جابر الأحمد ومعلمه إذ إنني درسته في مراحل الدراسة الأولى حتى اني في أحد الأيام عندما كنت مراقباً ضربته بجرس المدرسة عندما كنا في الفرصة، ودائماً يتذكر هذه الحادثة ويضحك كثيراً، ولا أنسى مواقف هذا الرجل العظيمة، فهو قائد فذ أدام الله عزه على بلدنا، يحب الكويت وأهلها كثيرا، ولا يبخل بشيء يرى فيه مصلحة هذا البلد والمواطنين، كما أنه سياسي محنك حكيم يعرف جيداً كيف تُدار الأمور ويجب على أهل الكويت كافة الوقوف خلفه.

ديوانيات الغزو

قال العجيري إن الديوانيات في الغزو انتقلت من الكويت إلى لندن، وكان أهل الكويت يرتادونها حتى الصباح، وكانت تمثل مصدر أخبار للديرة والحكومة التي كانت في الطائف وقتها، لذلك كانت وجهة الكويتيين الأولى كل يوم.

إلى نواب الأمة

نصح العجيري نواب الأمة بالابتعاد عن التأزيم والغلو غير النافع في السياسة، وعدم استخدام الأدوات الدستورية في غير محلها، وأكد أن مثل هذه الأمور باتت تعطل التنمية والمشاريع، وعلى النواب إفساح المجال أمام التنمية وإنجاز المشاريع والعودة بالكويت درة الخليج كما كانت في السابق.

فلك وتنجيم

قال العجيري إن أهل الكويت في لندن كانوا يقصدونني للتنبؤ لهم بعودة الكويت، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان يضعني في مواقف محرجة جدا، وكانوا يقولون لي "أنت تعرف الفلك والنجوم ولديك الخبر اليقين".

أول استجواب

قال العجيري في معرض حديثه عن السياسة إنه شارك في أول استجواب حدث في تايخ الكويت، عندما تقدم النائب محمد الرشيد باستجواب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل عبدالله الروضان، وكنت مختصاً وقتها في شؤون الإسكان التي كانت تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكان الاستجواب في مكتب الوزير الروضان آنذاك، وليس في مجلس الأمة، وكان من ثلاثة محاور، وتمت مناقشتها بالكامل، ووضعنا النقاط على الحروف، ولم تحدث ضجة كما هو الحال في الاستجوابات هذه الأيام.