تتخذ الترجمة من اللغة العربية وإليها أبعاداً عديدة، وترد في إطار يناقش التنمية العربية في شتى مجالات الحياة، وإن كانت تتمحور أكثر ما تتمحور حول الإبداع الثقافي. باعتباره المجال الأكثر حيوية، وقابلية للقراءة والترويج، مما يجعل لدور النشر دوراً فاعلاً. وتعتمد هذه الدور بدورها على معطيات أخرى، من بينها تسويق الكتاب، وشهرة مؤلفه في اللغة/ المصدر، وبالتالي عائد المبيع، والمربح المأمول من العملية برمتها.
قد لا نجد في تقارير التنمية العربية التي تردنا من حين إلى آخر ما يسر الخاطر، فقد أصبحت هذه التقارير تحوي أرقاماً محبطة، مكررة ومزعجة، من قبيل المقارنة بين عدد الكتب الصادرة في مجمل الوطن العربي، وما يقابلها في إسبانيا، أو إيطاليا واليونان. ولست أدري لمَ تتوقف المقارنة غالباً عند هذه الأوطان الثلاثة فحسب.تبذل مشروعات عربية حديثة جهداً كبيراً لملامسة مشكلات الترجمة وتقديم حلول لها. ومن بينها مشروع «كلمة» الذي تتبناه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. يحاول هذا المشروع إيجاد مترجمين جدد، وصناعة أجواء ملائمة لتسلسل عملية الترجمة برمتها، ابتداء من تحديد الكتاب المراد ترجمته، ومن ثم المترجم المناسب، وبقية الخطوات الإجرائية الأخرى كخضوع المترجمين لاختبار جزئي، لمعرفة قدراتهم، ومن ثم إبرام العقود معهم، وتحديد موعد نهائي لإنجاز عملية الترجمة. هي خطوات عملية جيدة، ولكنها تصطدم أحياناً بما يسمى بحال فوضى الترجمة في الوطن العربي. بمعنى أن كتاباً ما قد يقع عليه الاختيار لإنجاز الترجمة، إلا أنه قد يكون تُرجم سلفاً من مترجم آخر لا نعلم عنه شيئاً، وتخضع الترجمات الفردية هذه لذائقة الفرد، ومدى تمكنه من اللغة التي ينقل عنها، وكذا قراءاته وثقافته في المجال الذي يراد الترجمة عنه. وهنا لا نتحدث عن ترجمات العلوم الطبيعية ومواد القانون، والإدارة والإحصاء. وإنما تتم الإشارة إلى ترجمات إنسانية إبداعية، تستهلك جهداً ووقتاً كبيرين من المترجم من دون أن يلقى التقدير المناسب. وقد يُواجه بعائد مادي شحيح للغاية. ولعل ذلك ما يجعل كثيراً من المترجمين يحجمون عن هذا المجال، ويفضلون تمضية وقتهم في إصدار مؤلف خاص بهم، سواء كان هذا المؤلف إبداعياً أو دراسة نقدية، بل ان بعضهم لا يُعرّف نفسه على أنه مترجم. باعتبار النظرة القاصرة التي لا تنظر إلى هؤلاء الا أنهم وسطاء أو ناقلون لعمل ما. وذلك خطأ أو قصور في الفهم. فالترجمة الخلاقة المبدعة تنقل إلينا نصاً جمالياً، لا يقل أثراً عن فاعلية الكتاب الأصل في اللغة الأم. ذلك يتطلب التخلص من النقل الحرفي الذي يجعل اللغة/ الهدف أو المنقول إليها أشبه بمعادلات رياضية، وكلمات متراصة تفتقد في الغالب إلى روح اللغة العربية التي تتسم بسياق تاريخي وثقافي يختلف جذرياً عن اللغة المنقول عنها، سواء كانت الإنكليزية أم الفرنسية والإيطالية. وتساهم دور النشر العربية في خلق حال سلبية لعملية الترجمة، فما نقرأ عنه من حين إلى آخر بصدور ترجمات بأسماء وهمية لأعمال روائيين وشعراء عالميين بهدف التسويق، وخلق عائد أكثر للمبيع ما هو إلا عامل آخر لتردي الترجمة. فالترجمات الكثيرة لقصائد ت.س. إليوت. وشارل بودلير. ومسرحيات شكسبير، وبعض أعمال جبران خليل جبران في حاجة إلى مزيد من التنظيم، والتدقيق بهدف الاحتفاظ بروح النص الإبداعي الأصل، والتدقيق في ترجمة تحتفظ بالحد الأدنى من مضمونها وشرطها الجمالي.
توابل
الترجمة وجمالية اللغة
27-06-2010