فوز إياد علاوي في الانتخابات العراقية الأخيرة، وإن هو متواضعٌ، أكد أن العراقيين بعد تجربة الأعوام الماضية البائسة بدأوا يعودون إلى الوضعية الصحيحة، لأنهم تيقنوا من أن الطائفية أكبر خطر يهدد بلدهم، وأن الانسياق معها وفقاً لتصورات "بريمر" ومن تعاونوا معه سيحول هذا البلد إلى شظايا متناثرة، ويشجع القوى الإقليمية المعروفة على التغول عليه وافتراسه وإلحاق أجـزاءٍ منه بها إن من الناحية الجغرافية وإن من الناحية السياسية.

Ad

والأهم في فوز إياد علاوي أنه جاء نتيجة تحالفات بعيدة عن الانحيازات الطائفية والعرقية، فهْوَ نفسه شيعي عروبيٌّ وعلماني،  وناخبوه بمعظمهم من السُّنة العروبيين مع استقطابات أخرى من كل ألوان الطـَّيف العراقي، ولهذا وإن تم التفاهم مع أكراد الشمال، البارزاني والطالباني على وجه الخصوص، فإن خطر انقسام هذا البلد "الفـُسيفسائي" التركيب سينحسر حتماً وبالتأكيد حتى حدود التلاشي وبصورة نهائية.

وبالطبع فإن هذا الكلام من الممكن أن ينطبق، وإن بحدود أقل، على الفائز الثاني الذي هو نوري المالكي، فرئيس الوزراء العراقي الذي من غير الممكن أن يحافظ على هذا الموقع، الذي هو الموقع الأول في العراق إلا بمعجزة إلهية، أثبت بالأدلة القاطعة رغم قربه من إيران أن طائفيته شاحبة اللون، والدليل أنه أدار ظهره لهذه الطائفية عندما بادر إلى ما سمي "صوْلة الفرسان" في البصرة، وعندما وجَّه إلى تحالف مقتدى الصدر ضربات موجعة أدت إلى إضعافه حتى في "مدينة الثورة" التي هي إحدى أهم ضواحي العاصمة العراقية.

والآن وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة هذه الخريطة الجديدة التي هي غير مستغربة بل هي متوقعة، فإن الدفع في اتجاه أن يواصل العراق السير على هذا الطريق غير الطائفي يقتضي أن يتصرف إياد علاوي بالنسبة لتشكيل "حكومة الخلاص" التي يريدها بمنتهى المسؤولية الوطنية، وألاَّ يجعل نشوة الانتصار تتحكم به وبتحالفه،  وهذا يقتضي أن يبذل جهداً حقيقياً لنسيان "حزازات" الماضي، وأن يسعى جديّاً إلى التفاهم مع نوري المالكي ومع التحالف الكردستاني،  فالمرحلة المقبلة أخطر وأصعب من كل المراحل الماضية، والوضع الإقليمي غير مستقر، وهناك احتمالات فعلية بنشوب حرب مدمرة في هذه المنطقة في فترة قريبة.

لاشك في أن فوز إياد علاوي قد أرسى أسساً صحيحة لمغادرة العراق لواقع طائفي كاد أن يغرق فيه، لكن حتى يأخذ هذا الفوز أبعاده الحقيقية فإنه لابد من الحرص كل الحرص على احتواء الجميع، حتى بما في ذلك التحالف الصدري مع المجلس الأعلى الذي يقوده هذا الشاب الذكي والمثقف والواعد عمَّار الحكيم، فالإقصاء في وضع كالوضع الذي يمرُّ به هذا البلد يعتبر كارثة محققة، وهو يبقي على الأبواب السياسية مفتوحة أمام التدخلات الخارجية وبخاصة تدخل الذين بقوا خلال الفترة منذ عام 2003 يبذلون كل الجهود ويتبعون كل الوسائل حتى المحرمة لتمزيق بلاد الرافدين وتحويلها إلى دويلات طوائف متحاربة، لتسهل السيطرة عليها أو على الجزء الأكبر منها .