في عالم السيرك السياسي الذي نعيشه اليوم تتنوع مهارة اللاعبين، فمنهم من يجيد لعب العارضة والتوازي، ومنهم من يسير على السلك بمهارة، ومنهم من يروض الحيوانات ويتلاعب بالأسود، ويظل الساحر (الحاوي باللغة العامية المصرية) محط أنظار الجميع لما يقدمه من خدع مختلفة تبهر الكبار قبل الصغار، وكذلك المهرج بملابسه المميزة وحركاته الساذجة الذي يضحك الجميع ويدخل السرور في قلب الأطفال.

Ad

قام الرئيس الأميركي الساحر «أوباما» بزيارة الشرق الأوسط وأخذ المهرجون العرب من كتاب وإعلاميين وسياسيين يصفقون له ويتراقصون حوله في كل خطواته وهمساته ويحسبون نبضاته وأنفاسه، فهل حقق الحاوي الأميركي ما كان ينتظره هؤلاء؟ أم خدعهم بألعابه وما يخرجه من أكمامه ومنديله الذي حوله إلى شرائط ملونة لا تنتهي وهم يصفقون فرحين؟

جاء الرئيس أوباما وتحدث من جامعة القاهرة العتيدة الشامخة وبعد مقدمة إنشائية عن قيمة الإسلام وتقديره له وعن أثر المسلمين الأميركيين ودورهم الذي يقدره ويحترمه في المجتمع الأميركي بدأ أولى ألعابه وأخرج من ذراعه اليمنى حديثا عن العنف والتشدد، وأخذ يلف ويدور دون ذكر كلمة الإرهاب كما أوصاه مستشاروه، فهذه الكلمة «الإرهاب» كانت سقطة سلفه السابق «بوش»، وهي كلمة سيئة السمعة مرفوضة من جانب المهرجين الذين أخذوا يهللون لأنه لم يذكرها، وبذلك يكون مختلفا عن بوش!! وأنهى اللعبة بتأكيد فهمه لقول الإسلام «إن من يقتل بريئا فكأنما قتل الناس جميعا» واستشهد بالأبرياء الذين قتلوا في 11/9 وتناسى (بالطبع) الأبرياء الذين قتلتهم القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، وللأسف لم يتعلم الحاوي أو لم يعلمه أحد درس التوبة في الإسلام، وأن أولى مراحل التوبة الاعتراف بالذنب والإقرار به، فهل حقا فهم الحاوي حقيقة حديث الإسلام عن الأبرياء وأمره بالتوبة؟!

ومن الذراع الأخرى أخرج الحاوي اللعبة الثانية، وكانت حول الصراع العربي الإسرائيلي وقضية فلسطين، فماذا قال لا فض فوه ومات حاسدوه؟ أعلن من دون مواراة ولا خداع أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية علاقة خاصة غير قابلة للانكسار unbrakable وهذه حقيقة لاجدال حولها، ولكنه عاد للخداع مرة أخرى، وقال إن الفلسطينيين مضى عليهم 60 عاما، يبحثون عن وطن لهم فقلب الحقائق وعكس الوقائع، ونسي أن الإسرائيليين هم من كانوا بلا وطن ويبحثون عن مأوى لهم إلى أن منحهم إياه القديس بلفور العظيم، وأن وطن الفلسطينيين معروف ولكنهم أخرجوا وشردوا منه بالقوة والغدر والخيانة... والعجيب أن الحاوي كان يتحدث والمهرجون العرب سواء من حضر أو أمتعنا بحديثه وتفسيره وتحليله بعد الانتهاء منه يصفقون له.

كما ذكر أن أمنيته أن يحل السلام في المنطقة، وأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بدولتين ولو تأملنا قليلا لأدركنا أن هناك حقيقة (العلاقة بين أميركا وإسرائيل) وهناك أمنية (الدولتين) ومما هو معروف أنه إذا تعارضت الحقيقة مع الأمنية يضحي الإنسان بالأمنية، ويتمسك بالحقيقة، فهل هذا ما كان يهدف إليه الحاوي وهل هذا ما فهمه المهرجون؟! لا أعتقد فالمهم أن تخرج من بين شفتيه كلمة الدولتين فهذا منتهى الآمال ومبلغ الأحلام.

والثالثة كانت حديثه حول السلاح النووي وأنه يدعو إلى عالم– باستثناء إسرائيل وأميركا- خال من الأسلحة النووية، فالسلاح النووي يقتل ويدمر وهو يدعو إلى الحب والسلام، ولم يفهم أحد لعبته أن امتلاك إسرائيل وأميركا للنووي امتلاك آمن وتأكيد للسلام، وامتلاك غيرهم هو امتلاك خطير ودعوة للحرب!! كل ذلك والمهرجون العرب يصفقون ويهللون والمواطن العربي يبكي ألما وحسرة على حال حكامه وسياسييه ومحلليه الذين يقرعون الطبول ويضربون الدفوف للحاوي الأميركي.

لا أريد أن أطيل فألعاب الحاوي لا تنتهي (الصورة النمطية للإسلام- المرأة- التنمية... إلخ).

والمرارة كبيرة والأسى بالغ من الموقف الرسمي والإعلامي العربي ولا حرج على الساحر في ما يفعله مادام المتفرجون يصفقون ويهللون فرحين، ولكن هناك فقط سؤال بسيط: لماذا لم يتحدث الحاوي إطلاقا حول لبنان؟ هل لأن لبنان لا ينتمي إلى العالم الإسلامي؟! أم أن قضيته غير ذات أهمية؟! أم لسبب آخر لا داعي لذكره كي لا نفسد فرحة المهرجين وحفلة الرقص والتهليل؟ مع ملاحظة أننا كنا ننظر للنصف الملآن من الكوب في زيارة الرئيس الأميركي، أما النصف الفارغ فحديث آخر تماما.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء