فُجِعت الكويت مطلع الأسبوع بوفاة رجل الأعمال حازم البريكان، الذي قرر وضع حد لحياته حفاظاً على سمعته التي لوثتها وسائل الإعلام واختلطت على صفحاتها وشاشاتها أخباره مع دمائه.

Ad

حازم البريكان صديق افتقدته بألم، جمعتنا نقاشات وجلسات مطوّلة، كان خلال علاقتنا مثالاً للصديق الذي تتمنى أن تكونه في حياتك، مهذباً حد الخجل، ملتزماً بقيمه ومبادئه، متديّناً، ويؤكد دائماً أن ألزم ما على الإنسان كلمته، وأن السمعة هي رأسمال رجل الأعمال.

في نهاية الأسبوع الماضي أتت الأخبار من نيويورك، بأن عمليات قامت بها شركة الراية للاستثمار التي يرأسها محلّ تحقيق، وأن دعوى مدنية رُفِعت عليه وعلى أطراف أخرى، بداعي وجود أخبار مغلوطة تم تسريبها وأدت إلى ارتفاع أسعار سهمين قامت الراية ببيعهما، وأن المبلغ الذي تدور حوله الشبه تم تجميده.

الدعوى المدنية في عُرف أهل القانون تُقام للتعويض عن ضرر ناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، ويحق لأي شخص تعرّض لضرر جسماني أو مادي أو معنوي من المسألة محل الدعوى أن يرفعها، وتنتهي في حال ثبتت التهمة إلى فرض تعويض مالي.

البريكان ورد اسمه في دعوى مدنية رفعتها بحقه لجنة البورصات والأسواق الأميركية، التي تتهمه بصفته لا شخصه، لأنه الرئيس التنفيذي للشركة، بتحقيق ربح بطريقة غير قانونية، وهي قضية من بين مئات تُرفع أسبوعياً في الولايات المتحدة الأميركية، وآلاف على مستوى العالم، ضد شركات الاستثمار والتبغ ووسائل الإعلام، وغيرها كثير، من قبل أي شخص يرى أنه تضرر، وينتهي بعضها بعدم كفاية الأدلة، وآخر بعدم وقوع الضرر، وهناك ما يفرض على إثره غرامات وتعويضات تصل في أحيان إلى ملايين الدولارات لمصلحة المتضررين.

أغلب صحفنا المحلية تعاملت مع البريكان على أنه مذنب، من دون أن تعطيه مجالاً للدفاع عن نفسه، أو حتى تفكر بسؤاله عن حقيقة ما حدث، أو تفرد له المساحة نفسها ليعلن موقفه ورأيه في الاتهام، لأنه بحسب وجهة نظرها ارتكب جريمة «مرّغت» سمعة الكويت الاستثمارية على مستوى العالم، وهو ما قاد بعضها إلى أن تصف ما حدث بأنه فضيحة «البريكان-غيت»، وأخرى قالت «فبركة بريكانية مليونية»، والرصينة منها اعتبرت ما حدث «إرهاب استثماري جديد يخترق عمق الاقتصاد الأميركي»، أما الفضيحة فجاءت من مراسل إحدى الوكالات الإخبارية الذي كشف أنه كان ينشر ما يقوله له الراحل في لقاءاتهما العابرة على أنه أخبار مهمة وعاجلة من دون التثبت من دقتها.

في حالة حازم البريكان التي أمامنا، هناك شخص محترم في زمن قل فيه أمثاله، قرر إنهاء حياته لأن سمعته تضررت من دون أن يُعطى مجالاً للرد، ومن اتهموه على صفحات الجرائد هم مَن مجدوا حياته بعد وفاته، ومَن تعاطى مع الخبر على أنه مجرم يوم الأحد، هو نفسه مَن تحدث عن حسن أخلاقه يوم الاثنين، لتمر بعدها الحادثة وكأن شيئاً لم يكُن.

الأغلب الأعم من وسائل الإعلام المحلية فاقد للمهنية، منها ما يتهم الآخرين من دون دليل، أو ينشر أسماء وصوراً لمتهمين تقبض عليهم الأجهزة الأمنية من دون أن تصدر بحقهم أحكاماً قضائية، أو يبث أخباراً مدسوسة من دون التحقق من حقيقتها، إن لم تكُن معلومات مضللة ومدلسة، أو تقارير تُنشر لمصلحة أطراف معينة على حساب أخرى، ناهيك عن تناولها مواد الإثارة مثل الفضائح والجنس والشعوذة، وهو ما يعني أننا أمام حالة أخلاقية شاذة، عنوانها البيّنة على مَن نتّهم، والإنسان مُتّهم حتى تثبت براءته.

دماء البريكان اختلطت مع أحبار الصحف التي كشفت افتقادها المهنية، وستبقى أيدي العاملين فيها مُلطَّخة بدمائه، لأنهم يجهلون أدبيات العمل الصحافي ولا يقدرون مسؤولية ما يقومون به، لكنهم مع ذلك لا يمانعون رمي الأبرياء بسيل تهمهم، بينما يعجزون عن الإشارة إلى أي من النافذين الذين دمروا شركات مدرجة في سوق المال، أو قادوا المئات إلى الإفلاس في البورصة، أو ساهموا في تسريح الكويتيين من أعمالهم.