الأغنية هي راصد حقيقي ومرآة غير ضبابية للمجتمع الذي نشأت فيه، فالأغنية تعكس توجهات المجتمع الفكرية والروحية، وفلسفته الحياتية.

Ad

ففلسفة الحب في الأغنية المصرية تختلف اختلافا كبيرا عنه في الأغنية اللبنانية مثلا، الحب في الأولى هو قضية حياة أو موت، أما في الأخيرة هو قضية حياة فقط.

في الأغنية المصرية الحب حياة بديلة للحياة الواقعية، ربما لأن طبيعة الحياة الواقعية المصرية ضاغطة على الفرد، نتيجة للكثافة السكانية الهائلة، وصعوبة العيش، والتفاصيل اليومية التي تعكس جهدا يفوق طاقة الإنسان العادي، ولهاثا متواصلا لتوفير احتياجاته الأساسية، لذا فإن حالة الحب ليست احتياجا إنسانيا فقط، وإنما يتجاوز ذلك ليصبح هروبا من تعب الحياة اليومية، وملجأ يُنسي الفرد قسوة واقعه، الحب له تأثير المخدّر كونه يخلق عالما سحريا يعيش فيه المحب متجاهلا قدر الإمكان ما هو خارج حدود هذا العالم، ومن هنا نجد أن الأغنية المصرية محملة بالهيام إلى أقصى حدوده، والنظرة الجمالية للحياة التي تصل درجة المثالية بكل ما فيها، وجميع الأشياء لونها «بمبي» كما يقال، هذا طبعا عندما تكون العلاقة إيجابية بين الحبيبين، أما عندما يحدث ما يعكّر صفو هذه العلاقة فإن التعبير عن ذلك من خلال الأغنية يأتي محملا بكلمات مثل اللوعة والعذاب والأسى، وباختصار الموت، لأن نهاية الحب هي نهاية الحياة الجميلة التي ابتكرها المحب كبديل لحياة أخرى شقية. ولأن الحب في الأغنية المصرية له هذا البعد الوجودي فإن الأغنية نادرا ما تتناول تفاصيل العلاقة العاطفية إلا في الإطار الذي يعزّز كون هذه العلاقة هي حياة كاملة منفصلة بذاتها عن الواقع.

لاشك ان هناك تحولات طرأت على الأغنية المصرية في السنوات الأخيرة، تناولت في مضمونها القشرة الخارجية للحب، ولكن هذه النوعية من الأغاني لا تمثل روح الأغنية المصرية التي هي أغنية عاطفية بامتياز.

من جهة ثانية، فإن الحب في الأغنية اللبنانية يأخذ منحى مختلفا، ورؤية أخرى، فأهمية الحب تنبع من أنه يعزز أهمية الحياة الواقعية وجمالها، وليس هروبا منها، فالحب يجعل من تفاصيل الحياة اليومية متعة، ويجعل من حياة الفرد حتى وإن كانت بسيطة، غنية بمشاركة شخص آخر لها ألا وهو الحبيب.

اللوعة، الحرمان، التذلل للحبيب، الموقف المصيري، كلمات ومعان نادرا ما نجدها في قاموس الأغنية اللبنانية، بل نجد أن اللحظة بكل ما تعنيه من تعلّق ومحبة للحياة هي الطاغية والمحرّك الأساسي للعاطفة، والفراق برغم صعوبته لا يحمل دلالات بأي شكل من الأشكال على... الموت!

وكما أن الأغنية المصرية، كما ذكرت، هي أغنية عاطفية، فإن الأغنية اللبنانية هي أغنية عاطفية يؤطرها العقل.

أما الأغنية الخليجية فقد أخذت من الاتجاهين السابقين بحكم التأثر، وأضافت اتجاها ثالثا وهو ذلك الذي تناولت فيه الأغاني في مضمونها حبا استهلاكيا، حبا صالحا للاستحدام مرة واحدة فقط كالمحارم الورقية، وربما يرجع ذلك الى الطبيعة الاستهلاكية للمجتمع الخليجي.