فيلم {الثلاثة يشتغلونها} بسيط، لكنه مقنع.

Ad

ليس مطلوباً في الفيلم الكوميدي العادي، أن يكون مركّبًا، سواء بالنسبة إلى الشخصيات أو الأحداث أو القضية، يكفيه أن يتمتّع بدراما متماسكة، تعبّر عن مفاهيم إنسانية صحيحة سوية، بتنفيذ حرفي جيد ومن دون إسفاف أو استظراف.

هذه السمات والمميزات، تحققت فعلا في {الثلاثة يشتغلونها}، إخراج علي إدريس، تأليف يوسف معاطي، وبطولة ياسمين عبد العزيز.

وحينما نقول إنه بطولة هذه النجمة، فهذا يعني أن ياسمين تصرّ على ما بدأته في {الدادة دودي} وتنجح فيه، وتؤكده مجددًا في {الثلاثة يشتغلونها}، وهو أن تظهر نجمة من الجيل الشاب، تتولّى، بالتوازي مع النجوم الرجال، بطولة فيلم وإنجاحه، وهذا أمر تعذّر تحقيقه أو السعي إليه إلا بمحاولات ياسمين ومي عز الدين الجديدة، باستثناء النموذج أو النجاح الخاص الذي حققته عبلة كامل حتى في ذروة موجة {المضحكين الجدد}، التي بدأت منذ عام 1997.

لكن {الثلاثة يشتغلونها} يتفوّق على {الدادة دودي} سواء فنيًّا أو حرفيًّا بفضل إخراج علي إدريس، تصوير أحمد عبد العزيز، مونتاج ماجد مجدي، ديكور محمد أمين، موسيقى تامر كروان ومجمل فريق الممثلين، ومن ناحية الرؤية والمفاهيم التي يعبّر عنها الفيلم بفضل كاتب القصة والسيناريو والحوار يوسف معاطي.

كذلك تتفوّق ياسمين على نفسها في الفيلم الجديد مقارنة بسابقه، فهي أكثر إتقانًا ورهافة وتلقائية في الأداء، ربما لأنها تشعر بأن الكوميديا فيه أكثر جدية، وبتزايد مسؤوليتها كبطلة - نجمة تتسلّق سلمّ البطولة المطلقة.

يبدأ الفيلم بـ نجيبة (ياسمين) وهي تستعدّ لدخول امتحان الثانوية العامة، يساعدها والدها (صلاح عبد الله) في الاستماع إليها وهي تردد أمامه ما حفظت من دروس ومناهج، وتساعدها والدتها (هالة فاخر) عبر تشجيعها ودعواتها.

تحقق نجيبة نتائج مبهرة (مائة وواحد في المائة)، بل تعلَن الأولى في الثانوية العامة على مستوى القطر ككل. يختار لها والدها الالتحاق بكلية الآثار (لا نعرف سبب هذا الاختيار)، ثم تعمل إلى جانب الدراسة كمدرّسة {بالحصة} في المدرسة الثانوية نفسها التي تخرجت فيها وتديرها أبلة صباح (رجاء الجداوي)، وتحاول، بنبل، مساعدة أسرتها، بعد فصل والدها مع موظفين آخرين من عمله في ظل سياسة الانفتاح و{الخصخصة} الراهنة.

لكننا نلحظ، على امتداد ذلك، تعثّر الفتاة وتلعثمها وخجلها وارتباك مشيتها وعدم اتساق ملابسها، ويطرح السيناريو منذ البداية أن مشكلتها تكمن في أنها لا تعرف من الدنيا سوى الدروس التي حفظتها، وأن المدرسة والبيت، خصوصًا الأب، لم يعلماها كيف تفكر أو تفهم أو تحلّ أي مشكلة أو تتعامل مع أي موقف. من هنا يطرح الفيلم بتركيز ووضوح، ربما غير مسبوق في السينما المصرية، مشكلة التعليم المصري اليوم الذي يقوم على الحفظ وليس الفهم، ما يؤدي إلى إيقاع الشباب في متاهات تجعلهم عاجزين عن مواجهة حقائق الحياة.

هذه القضية المهمّة لم ترِد بصورة جانبية عارضة أو كخطبة في مشهد النهاية، إنما شملت الفيلم وتخللت السيناريو وهذا ما يحسب للعمل، مع تشويق ومن دون ملل.

هكذا نرى أن نجيبة، التي كانت {نجيبة} فحسب في الحفظ والتلقين والتسميع ونقل ما تحفظه إلى أوراق الامتحان من دون فهم أو معرفة حقيقية، تبدو، طوال الوقت، فتاة حائرة في التعامل مع المجتمع، من المدرسة التي أصبحت تعلّم فيها التلامذة وفق الطريقة الضيقة الأفق التي تعلمت بها، إلى الجامعة التي تربكها بشدة، حيث تصطدم بعادات الطلاب وتقاليدهم وبالتيارات السياسة التي يعجّ بها المجتمع، من النظام الحاكم بأبواقه وشرطته إلى اليسار إلى اليمين، خصوصًا اليمين الديني الذي يغالي في الدين أو يتاجر به.

الكل يتجاذبونها... أو {يشتغلونها} بتعبير هذه الأيام، وهي حائرة مضطربة، لا تستطيع أن تواجههم بطريقة صحيحة إلا حينما تفهم وتثق بنفسها وتغيّر ما في نفسها.

يكفي هذا المعنى في الفيلم... كمعنى واضح صائب، قدمه من دون حذلقة أو افتعال.