مرة أخرى... خطاب كراهية أم حرية تعبير عن الرأي؟

نشر في 14-04-2010
آخر تحديث 14-04-2010 | 00:00
 د. بدر الديحاني من الملاحظ أن خطاب الكراهية Hate Speech قد انتشر، مع كل أسف، في مجتمعنا في الفترة الأخيرة وهو ما يتطلب وقفة جادة من قبل الجميع، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن التنمية والتطور والتجديد في ظل مجتمع ممزق يكره أو يبغض بعضه بعضا لأسباب فئوية وطائفية وعنصرية، علاوة على ذلك فإنه لابد من تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة وعدم خلط المفاهيم كما يحاول البعض، لأن في ذلك ضررا على المجتمع، وأيما ضرر، إذ لا يمكن التسامح مع خطاب الكراهية على اعتبار أنه حرية تعبير عن الرأي يجب أن ندافع عنه لأن الفرق بينهما واضح وضوح الشمس، وهو ما سبق أن تطرقنا إليه في هذه الزاوية، لذلك فاسمحوا لي أن أعيد ما سبق أن كتبته في ديسمبر الماضي لعلنا نستطيع مرة أخرى أن نساهم في فتح نقاش علمي حول هذه الظاهرة الخطرة التي بدأت تنتشر في مجتمعنا الصغير بشكل غير مسبوق.

وإليكم ما سبق أن كتبت: يحاول بعض الكتّاب وبعض وسائل الإعلام تصوير خطاب الكراهية والعنصرية الذي عبر عنه بصورة فجة وروّج له خلال مدة زمنية ليست بالقصيرة «السيد الجويهل» على أنه مجرد تعبير حر عن الرأي يجب الدفاع عنه حتى لو اختلفنا معه، كونه حقاً مكفولاً للجميع حسب المادة (36) من الدستور... فهل هذا صحيح؟ أي هل الخطاب الذي كان السيد جويهل يروّج له بصور مختلفة هو حرية تعبير عن الرأي Freedom of Speech أم أنه يقع في خانة ما يسمى خطاب الكراهية Hate Speech؟

للإجابة عن هذا السؤال دعونا نتوقف عند تعريف كلا المصطلحين لنحدد بعد ذلك إلى أي منهما يمكن أن ننسب ما كانت تبثه قناة «السور» التي يملكها السيد جويهل من برامج، وما «تفبركه» من اتصالات ورسائل هاتفية قصيرة موجهة بشكل عنصري متعمد نحو فئة معينة من السكان، وهم فئة أبناء وبنات قبائل الكويت؟ بالنسبة لحرية الرأي والتعبير فإنها تعني، حسب موسوعة ويكيبيديا: «التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفني من دون رقابة أو قيود حكومية، بشرط ألا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة». أما خطاب الكراهية، حسب ما جاء في الموسوعة نفسها أيضاً، فإنه يعني: «كل خطاب يشمل سباً أو شتماً أو إخافة أو تحرشاً لفظياً من شخص أو مجموعة نحو شخص أو مجموعة أخرى على أساس عرقي أو سياسي أو شخصي أو على أساس اللون أو بلد المنشأ».

لذلك فإن أغلب قوانين الدول الديمقراطية تجرِّم أي خطابات أو كتابة أو رأي علني ضد أي مجموعة لأسباب دينية أو عرقية، لهذا فإنه لا غرابة البتة أن قانون الإعلام المرئي والمسموع الكويتي قد أتى متوافقاً مع الاتجاة العالمي لتجريم دعوات الكراهية والتحريض العنصري حيث نص في البند (11) من المادة (11) على حظر «الدعوة أو الحض على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع». ومن الواضح هنا أن خطاب السيد جويهل، حسب هذين التعريفين، هو خطاب كراهية Hate Speech يندرج ضمن الخطابات التي تدعو إلى الفرقة والتنافر الاجتماعيين، فقد تضمن سباً وشتماً علنياً وتشكيكاً مباشراً في الولاء الوطني لمجموعة أخرى على أساس عرقي وسياسي، وهو ما يتعارض أيضاً بشكل صارخ مع مبدأ التسامح في النظام الديمقراطي ومع نصوص صريحة في الدستور، لذلك فإنه من غير الجائز، بل لنقل إنه من غير الأخلاقي إطلاقا، أن نبرر الأفعال العنصرية التي قام بها السيد جويهل، أو أن نعتبر ما قاله من عبارات وألفاظ وأحاديث عنصرية مجرد تعبير حر عن الرأي يجب أن ندافع عنه مهما اختلفنا معه، لأننا في هذه الحالة سنشجع العنصريين، من أي طرف كانوا، على التمادي في نشر أفكارهم ورؤاهم التي تدعو إلى الحقد والكراهية بين المكونات الاجتماعية لمجتمعنا، وهو ما سيؤدي في محصلته النهائية إلى تمزق اجتماعي وتحارب داخلي سيهددان أمن واستقرار البلد، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث يتعين علينا جميعا رفض خطابات الكراهية والحقد الاجتماعي وإدانتها إدانة واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا تردد، بما في ذلك خطابات وعبارات الكراهية والعنصرية الصادرة عن بعض الأطراف التي أضيرت من الخطابات العنصرية للجويهل وأمثاله، أو تلك الصادرة عن بعض الأطراف الطائفية المتعصبة من كلا المذهبين لأنه ينطبق عليها ما ينطبق على خطاب الكراهية الذي روّج له السيد جويهل. إن للكراهية والحقد الاجتماعي والعنصرية وجوهاً متعددة يجب أن ندينها كلها من دون مجاملة، وأن نبحث بشكل جدي عن سبب أو أسباب وجودها وانتشارها في مجتمعنا وكيفية القضاء عليها إن كنّا ننشد فعلاً بناء وطن دستوري ديمقراطي متسامح يتسع للجميع.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top