كأن الزمن لم يتغير منذ أكثر من عامين، نفس الموال يعزف مجددا، زيادة الرواتب وتقرير البنك الدولي ومعدل إنتاجية الموظف والتضخم الاقتصادي وأسعار النفط، وكأن الحكومة لم تتعظ من تجارب الماضي، ولا النواب وعوا الدرس، ولا المواطن استوعب ما يحدث، أو حتى البنك الدولي قدر حجم الخديعة التي يتعرض لها.

Ad

عناوين الصحف ومحور النقاشات خلال الأسبوعين الماضي والجاري ذكرتني بثورة 2007 التي شهدتها الكويت تحت عنوان زيادة الرواتب، وقتها كانت الحكومة ممثلة بالمجلس الأعلى للخدمة المدنية تقر الكادر المالي تلو الآخر، حتى بلغ الأمر بموظفي الطيران المدني الإضراب عن العمل وشل حركة الطيران في البلاد للمطالبة بزيادة رواتبهم وبدعم من نقابتهم، لتكتشف الحكومة فداحة الجرم الذي ارتكبته، أما اليوم فإن «الفيلم» بجزئه الثاني يعرض حاليا، ومحوره استئناس الحكومة برأي البنك الدولي حول جدوى 37 كادرا ماليا تقدر قيمتها بنصف مليار دينار كويتي.

في الكويت القطاع العام يستوعب 90 في المئة من الكويتيين، والباب الأول من الميزانية المخصص للرواتب والأجور يلتهم 90% من الميزانية العامة، أي أن الأغلب الأعم من دخل الدولة يذهب مباشرة إلى المواطن، والمواطن وبدعم من النواب ووسط صمت الحكومة، لا يملك إلا المطالبة بالمزيد، دون أن يدرك أننا الآن نعيش في وفرة مالية زائلة.

هل تساءل أحدكم: لماذا على الدولة أن تزيد رواتب موظفيها؟ ومقابل ماذا؟

الموظف الكويتي لم تتغير ساعات عمله، بل بالعكس تقلصت أيام عمله حينما دخل يوم الخميس ضمن العطلة الأسبوعية، وهو يقوم بنفس الجهد ويمارس المهام نفسها، ومع ذلك يطالب بزيادة أجره، فقط لأنه كويتي، ودون أن يقوم بأي شيء سوى التصويت للنواب في الانتخابات، ومتابعته لمن حوله من أقارب وجيران وأصدقاء ومعارف تحصلوا على زيادات بلغت الضعف تحت مسمى الكوادر المالية المساعدة لرواتبهم، وبعضهم تبحث عنه خلال ساعات العمل الرسمية ولا تجده.

خلال السنوات الخمس الأخيرة زادت رواتب الكويتيين موظفين ومتقاعدين 220 دينارا كويتيا... الأولى 50 دينارا خلال 2005 مع إقرار حقوق المرأة السياسية بصفقة بين النواب القبليين والحكومة، والثانية في عام 2008 حينما أقرت الحكومة بعد ضغوط نيابية 120 دينارا للمواطن و60 للوافد، وحلت المجلس بعدها في مارس، ثم عادت ومررت مشروع قانون من النواب بزيادة 50 دينارا على 120 التي أقرتها لتصل الكلفة الإجمالية إلى 3.76 مليار دينار سنويا.

الحكومة بطبعها دائما تتجاهل حسم الملفات، وتدعها تتدحرج تدريجيا حتى تشكل كرة ثلج تهدد بقاءها، وذلك إما لسذاجتها وإما رغبة منها في تحيمل النواب والمواطنين «جميلة» بين الحين والآخر، حينما تقر ما يريدون بعد طول نقاش، وكلاهما يعكس نمط تعامل الدولة مع مثل هذه القرارات.

وحينما تقودنا حكومة لا تعرف كيف تقول لا، ولا تملك أجندة لما تنوي فعله، ولا تعرف منع الصخور الصغيرة من التدحرج قبل أن تكوّن كرة ثلج، يحصل ما نراه اليوم.

وحينما يقود البلد نواب يشرعون وفقا لمبدأ كم، لا، لماذا؟ ويشترون ذمم ناخبيهم وولاءهم وودهم بالمال العام، يحصل ما نراه اليوم... وحينما يتعود المواطن على الأخذ دون أن يقدم شيئا بالمقابل، ويرفع سقف مطالبه تدريجيا، لتتكرس بطبعه المطالبة بالمزيد، يحصل ما نراه اليوم.

هي دائرة: مواطن يبتز نائبا، ونائب يبتز حكومة، وحكومة ترتعد من الابتزاز، وتنتهي المعادلة بأن المواطن يحصل على ما يريد، والحكومة تنفق من احتياطي الأجيال القادمة، والنائب يعود مجددا إلى قاعة عبدالله السالم محمولا على أكتاف الذين ينوون ابتزازه مرة أخرى.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة