ماذا تريد إيران؟!

نشر في 05-10-2009
آخر تحديث 05-10-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري لقد أصبحت إيران شغل العالم الشاغل وأصبح برنامجها النووي مصدر قلق مزمن للمجتمع الدولي، وتصاعدت المطالب الدولية بتشديد العقوبات وفرض الحصار والعزلة عليها، ومع أني لست من أنصار تشديد العقوبات لأن الشعب الإيراني هو الذي يدفع الثمن في النهاية، كما لا أرجو ولا أتمنى توجيه أي ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، لأن آثارها ستصيب كل دول المنطقة، ولن يكون أحد بمنأى عن تداعياتها الضارة، فضلاً عن الشلل الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي مما يفاقم من ارتفاع أسعار الطاقة والسلع والخدمات، ويصعد بها إلى أرقام جنونية.

لكن من حقي كمواطن خليجي عربي مسلم يعيش على الضفة الأخرى من الخليج أن أهتم بأمر الشعب الإيراني، ومن حقي أن أقلق على مستقبل الخليج، ولا أطمئن للنوايا الإيرانية في مخططاتها الرامية إلى مزيد من التسلح والإنفاق الهائل على برنامجها النووي، وإنشاء المزيد من المنشآت والمفاعلات النووية وتخصيب اليورانيوم، وآخرها وليست الأخيرة، مفاعل «قم»، كما أن من حقي أن أتساءل: ما حاجة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكل هذه المفاعلات النووية؟! وهل الطاقة الكهربائية الرخيصة تستحق وتبرر تلك التكاليف الباهظة على البرنامج النووي، والتي تأكل من قوت الشعب الإيراني وتهدر ثرواته؟! وما حاجة إيران إلى إنتاج الطاقة الكهربائية عبر المفاعلات النووية الباهظة والخطرة وعندها العشرات من مصادر الطاقة الرخيصة مثل: البترول والغاز والشمس والرياح ومساقط المياه المقامة على سدود الأنهار؟! وما حاجة إيران إلى تحدي المجتمع الدولي وجلب الأضرار لشعبها؟

من حقنا أن نتساءل: ماذا يريد قادة إيران في الحقيقة من البرنامج النووي؟ وما هدفهم من الحصول على السلاح النووي؟! وهب أن إيران نجحت في مراوغة المجتمع الدولي وأفلتت من العقوبات، وسلمت من الضربة العسكرية، واستطاعت في النهاية الحصول على سلاحها النووي، فماذا ستفعل بهذا السلاح الرهيب؟! هل ستضرب به إسرائيل أم ترهب به دول المنطقة أم تتباهى بتملكها هذا السلاح المدمر؟! هيهات ثم هيهات أن تضرب إيران إسرائيل أو أن ترهب به دول المنطقة.

 إذن ما نفع سلاح لن تستطيع استخدامه ولن يضيف شيئاً إلى رصيد إيران العسكري غير النفقات الباهظة على حراسته وصيانته وتخزينه؟! لو كان النووي سلاحاً ينفع صاحبه لنفع باكستان التي صرفت المليارات حتى أفلست خزائنها وحصلت عليه في النهاية، لكنها اليوم تنفق النفقات الباهظة على حراسته، وقد تردت أوضاعها ونُكبت وأصبحت مبتلاة بالتفجيرات والعمليات الانتحارية من قبل الجماعات المتشددة! هل تملُّك إيران النووي يساعد على تحسين مستوى معيشة شعبها؟ وهل سيحل أزماتها المتفاقمة ومشاكلها المتعددة داخلياً وخارجياً؟ وما الذي يجنيه الشعب الإيراني من البرنامج النووي وهو يعايش أوضاع البؤس وقمع الحريات وتفشي المحسوبية وانتشار الفساد؟ وهل سيصون النووي كرامة هذا الشعب الأبي مع أن قطاعاً كبيراً من الشعب قد هاجر إلى الدول الأخرى بحثاً عن لقمة العيش الكريمة؟ متى يستمع قادة إيران إلى صوت العقل والمنطق؟ ولماذا لا يتعلمون من دروس التاريخ؟ ولماذا لا يحاولون الإفادة من أخطاء الثورات السابقة؟ وهل يعقل أن أغنى دول العالم بالثروات الهائلة وبعد مرور 30 عاماً على ثورتها، مازالت تستورد البنزين وتبيعه بالتقنين لأنها عاجزة عن إقامة معمل لتكرير البترول في الوقت الذي تملك القدرة على زرع أراضيها مفاعلات لتخصيب اليورانيوم؟!

 من حق المواطن الإيراني البسيط أن يتساءل وبعد ثلاثين عاماً على وعود وشعارات الثورة: أين ذهبت ثروات بلاده؟ من حقه أن يسائل قادة بلاده: لماذا تبددون ثروات إيران على تكديس السلاح والسباق النووي وعلى تمويل الجماعات الموالية في خارج إيران؟ ما مصلحة الشعب الإيراني من تضييع ثرواته على ميليشيات خارجية لتأجيج الصراعات الداخلية وزعزعة الاستقرار في مجتمعات دول المنطقة؟ وما الذي يجنيه الشعب الإيراني من تزعم إيران المعسكر المعادي لأميركا؟!

هذه التساؤلات المنطقية البسيطة لا تجد إجابة شافية ومقنعة لا من قبل قادة إيران ولا من قبل حلفائها وأنصارها والمفتونين بها في المنطقة بينما يستمر هدر ثروات إيران على حساب معاناة شعبها!!

لقد بلغ تحدي قادة إيران ولا مبالاتهم للمجتمع الدولي، أنه في الوقت الذي كان العالم يترقب أن تبدي الحكومة الإيرانية شيئاً من المرونة والتجاوب وتقبل التعاون مع مطالب المجتمع الدولي، تفاجئ إيران العالم بالكشف عن مفاعلها النووي الجديد في «قم»، وقد اختارات هذه المدينة بالذات احتماءً بمكانتها الدينية ودرعاً واقياً بكثافتها السكانية، وقد سارعت إيران بالكشف عن مفاعلها بعد أن علمت أن الاستخبارات الغربية قد علمت بها في حركة استباقية لم تنفعها، بل جلبت عليها عاصفة من الانتقادات الدولية المطالبة بتشديد العقوبات عليها، وبينما كانت أنظار العالم متجهة إلى اجتماع جنيف بين إيران والقوى الست الكبرى «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا» نفاجأ بإيران تستعرض قوتها وتتباهى عبر إطلاق صواريخ بعيدة المدى تحت اسم «مناورات الرسول الأعظم- 4» ويطلق قائد القوات الجوية للحرس الثوري تهديدات نارية بأن «كل الأهداف في المنطقة بما فيها إسرائيل والقواعد الأميركية في الخليج ستكون داخل مدى صواريخنا» بينما تصرح مصادر إسرائيلية بأن السلاح الجوي الأميركي بدأ بعملية تسريع غير عادية لإنتاج كمية من القنابل العملاقة المعروفة بقدراتها العالية على تدمير مرافق عسكرية تحت الأرض،

وهكذا تصبح المنطقة تحت تهديد السيفين الإيراني والإسرائيلي بحسب تعبير وزير خارجية مصر، ما الذي تريده إيران من مناورات استعراض القوة؟ وما الهدف من الكشف عن المنشأة النووية الجديدة في هذا الوقت؟ وهل تريد أن تثبت للمعسكر الغربي وللولايات المتحدة بالذات أنها في موقف قوة ولا تخشى العقوبات ولن تقبل أي تفاوض على البرنامج النووي؟ وهل ذلك يعد موقف قوة أم موقف ضعف؟ لا أتصور أن ذلك يمثل موقف قوة بل الأقرب أن سلوكيات الحكومة الإيرانية، خصوصا بعد الاحتجاجات والمظاهرات المتوالية لقطاعات عريضة من الشعب الإيراني والتي طعنت في الانتخابات ورفضت تبديد ثروات بلادها في الخارج، تريد التغطية على الضعف الداخلي.

 إن هذه الاستعراضات المظهرية للقوة عبر التباهي بإطلاق الصواريخ وترديد الكلام عن قوة إيران، والتهديد بأن إيران لو تعرضت لهجوم لكان ذلك بداية زوال الدولة العبرية! ما هي إلا تعبير عن هشاشة الوضع الداخلي من ناحية كما هو تعبير عن حالة ارتباك السياسة الخارجية لإيران من ناحية أخرى، بدليل أن هذه التصرفات الأخيرة لم تخدم إيران سياسياً، بل وحدت موقف خصومها ضدها، وساعدت الولايات المتحدة في تكوين تحالف دولي لفرض عقوبات صارمة على إيران، حتى أن الرئيس الروسي «ميدفيديف» صديق إيران، أشار «لا بد من العقوبات في نهاية المطاف»، وحتى الصين- حليفة إيران الأخرى- ستجد نفسها في النهاية من الصعوبة أن تبقى خارج التحالف الدولي ضد إيران.

وفي أعقاب الكشف عن المفاعل النووي الجديد، اجتمع الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بوزير خارجية إيران «منوشهر متقي» وقال له: «لوكنتم دولة طبيعية لكنتم أعلنتم عن المنشأة قبل البدء بتشييدها، لهذا هناك قرارات عقوبات من مجلس الأمن في حقكم لأنكم تحاولون أن تخفوا أنشطتكم»

 إذن مشكلة إيران الكبرى أنها لا تريد أن تكون دولة «طبيعية» تعيش داخل حدود بلادها، تبني نموذجها التنموي وتهتم بأمر شعبها وتسعى إلى ما فيه مصلحتهم وسعادتهم، تريد أن تلعب دوراً خارجياً مهيمناً ومقلقاً لدول المنطقة عبر الإنفاق الهائل على سياسة التسلح وإطلاق التهديدات وعمليات استعراض القوة وتكرار الاستفزازات وعبر دعم الجماعات المسلحة الموالية لها التي تثير الاضطرابات في مجتمعاتها، وتقوم بحركات تمرد ضد حكوماتها، وتحمل مشاريع انفصالية للدولة الوطنية.

 لوكانت إيران تريد أن تعيش كدولة «طبيعية» لأتت الدول من أبوابها الرسمية لا من وراء ظهورها وعبر نوافذها، لا أحد يعرف ماذا تريد إيران بالتحديد! تقول إيران إنها لا تسعى إلى السلاح النووي، وأن برنامجها النووي سلمي وتريد الطاقة الرخيصة، وأن فتاوى علمائها تحرم السلاح النووي، حسناً! لكن كل سلوكياتها وأفعالها تثير الريبة والشكوك في أقوالها، مباحثات جنيف هذه الأيام بين إيران برئاسة «جليلي» كبير المفاوضين الإيرانيين ودول «5+1» تضع إيران في منعطف حاسم.

هناك رسالة موحدة من المجتمع الدولي تطالب إيران بأفعال لا أقوال، تؤكد أن برنامجها النووي سلمي، وتطالب إيران بإتاحة المجال لدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للموقع النووي الثاني بلا قيود، وإلا تعرضت لعقوبات جديدة، ومع أن المحادثات وصفت بأنها بناءة وودية خصوصا أنها أول مباحثات مباشرة بين أميركا وإيران منذ 30 عاماً، إلا أنها في تصوري لن تثمر عن شيئ ذي بال، ولعلنا نتذكر أن إيران رفضت من قبل سلة الحوافز الغربية المغرية.

ولذلك أتصور أن إيران ستستغل عامل الوقت لمصلحتها وستقدم بعض التنازلات غير المؤثرة، لكنها لن تتنازل عن البرنامج النووي لأن الحصول على السلاح النووي يمثل اليوم في إيرن مسألة كرامة قومية وعقيدة وطنية ودينية للحكومة والمعارضة وكل طبقات المجتمع الإيراني، بحيث يعد التنازل عنه خيانة وطنية ودينية.

*كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top