يتسع الفارق الحضاري بيننا وبين الدول المتقدمة لأننا نفشل في استشراف المستقبل وفي إدارة الأزمات والكوارث وفي تأسيس الأمن الإنساني وبالتالي نفشل في إدارة الدولة، وهي جميعها علوم حديثة حيوية وضرورية لسلامة الإنسان والأوطان. وهو فشل مدو يهدد كيان الوطن وبقاءه، فالأوطان لا تبنى على البركة والتخبط والارتجال والاعتماد على صروف القضاء والقدر، بل على التخطيط والرؤية والاستراتيجية والقيم والأهداف واعتماد فلسفة «اعقلها وتوكل».

Ad

فالكويت تمر منذ فترة بأزمات سياسية واجتماعية مختلفة، وقد تجلت تلك الأزمات في هذا الشهر بشكل غير معهود كتصاعد النَفَسْ الطائفي البغيض والمحاولات الإرهابية وحادث حريق الجهراء المأساوي.. كل تلك الأحداث وغيرها كتضييق مساحة الحريات، والتعصب الديني، وأزمتي البدون والعمالة، وأعمال الشغب والحرائق والحوادث المرورية، والتلوث البيئي، وتعطل التنمية، وشلل البلاد وركودها، كلها تدخل ضمن أنواع الأزمات. وهي إن دلت فتدل على فشل صارخ في وضع استراتيجية وطنية تستشرف المستقبل وتتنبأ بالأحداث وتسابقها وتقدرها من أجل اتخاذ تدابير طويلة الأمد لتجنب وقوع الأزمات والكوارث أو التخفيف من آثارها وعواقبها، بعيداً عن الحلول الآنية الجزئية التي تتخذ ردة الفعل (وليس التخطيط المسبق) أساساً لها. صحيح أن بعض الأزمات والكوارث خارجة عن القدرات ولا يمكن التحكم بها، لكن معالجة أسبابها والأخذ بنتائجها بشكل علمي ومنهجي أمر غاية في الأهمية، وهو ما نفتقده بسبب سوء التخطيط وعدم تقدير الأمور وضعف المتابعة والتنسيق.

وقد حذر المنسق الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي لشؤون الأمن والسلامة الدكتور عدنان هاشم سلطان في 2008 من «غول الكوارث» بسبب أمية ثقافة السلامة وغياب التشريعات والاجراءات التي من شأنها أن تقلل من فرص الإصابة والتعرض للحوادث إلى أدنى مستوى ممكن. وحسب دراسته حول إجراءات السلامة المهنية في الكويت فقد شهد النصف الأول من عام 2007 مايلي: «5919 حادث حريق و1615 حادث إنقاذ، وتنوعت الحوادث ما بين حوادث في مستشفيات ومستودعات ومنازل وشقق، فيما توسعت الحوادث ما بين تسمم ومرور وسقوط وإصابات عمل، كما يبلغ معدل حوادث المرور 1799 حادثاً لكل 100 ألف نسمة»! وقد طالبت الدراسة بالإسراع في إصدار تشريعات وقوانين تنظم إجراءات السلامة، وضرورة إنشاء هيئة مستقلة للسلامة المهنية تناط بها مسؤولية تحديث التشريعات والقوانين بما يناسب المعايير الدولية. كما دعت الدراسة إلى رفع وعي المجتمع وخلق ثقافة سلامة مجتمعية، بالإضافة إلى تدريس مادة حول السلامة العامة، لنجعل حياتنا الشخصية والعامة وأماكن العمل والعلاج والتدريس والترفيه آمنة وسليمة.

ان مسؤولية ما يحدث من فساد وواسطات واستثناءات وتشريعات كثيرة مفقودة وعدم تطبيق للقانون، هي مسؤولية الجميع سواء الحكومة، أو مجلس الأمة (وهو أول مَن ينتهك القانون)، أو الشعب الذي أتى بهم. كلنا مسؤولون عن تفاقم الأوضاع والآلام والمعاناة وتزايد عدد الضحايا بسبب إهمالنا وتقصيرنا وعدم تحركنا، الأمر الذي يكلفنا ثمناً باهظاً ومحزناً.

وعلى الرغم من كثرة دق نواقيس الخطر والتحذيرات، فإن جميعها صرخات بواد لا يسمع صداها أحد... وكما يقول أينشتاين «من الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر الشيء نفسه».

فقد سئمنا فشل العقلية العقيمة والثقافة غير الناضجة... فمتى نبلغ الرشد والعقلانية؟... متى ننجح؟