جاءت رواية رمز الذئب لتحمل للعالم معنى المعايشة والصدق الرهيب في كتابة الرواية، السيرة لحياة غير عادية... حياة أسطورية أبعد من الخيال، وإن كانت واقعيتها هي الواقعية السحرية.

Ad

رواية صعب أن يأتي الآخرون بمثلها أو بتقليدها، هذه مرآة لحياة عاشها الكاتب، وانمحت في قلب تاريخها، الذي هو أيضا اختفى ولم يبق له أثر إلا في ذاكرة الكاتب، وفي ما سجله وما عاشه كحقيقة. رمز الذئب رواية عظيمة، من تلك الروايات التي ستخلد، وتعد من جواهر الأدب الإنساني ومن نفائسه.

رواية رمز الذئب كتبها الروائي الصيني يانغ رونغ، وهذا ليس اسمه الحقيقي، وهي روايته الأولى وربما تكون الأخيرة، لأنها جوهرة اختزنت كل ما كتب، وكل ما سيكتب، ومنحته تاج العظمة والخلود، فليس هناك بعدها ما يُكتب.

«رمز الذئب» لا يكفيها مقال صغير ليفيها حقها، وقد بيع منها 20 مليون نسخة حال صدورها في الصين، وملايين أخرى بيعت في العالم بعد ترجمتها إلى أكثر من 26 لغة عالمية، كما ستحول إلى فيلم بعدما حصدت الكثير من الجوائز الأدبية الكبرى. الرواية تسلط الضوء على الحياة في منغوليا الداخلية التي عاش فيها الكاتب 11 عاما مع الرعاة البدو ومربي الماشية والخيول، الذين أحبهم وأحب معتقداتهم ومحافظتهم على بيئتهم، ولذا قام بدراسة حياتهم ومعاناتهم مع الذئاب ومع الطبيعة القاسية في السهوب المنغولية، واعتقادهم الراسخ بفلسفة الذئاب، وبطرائقها الذكية في شن الغارات على قطعان الرعاة، وتعلمهم منها، واكتسابهم لعاداتها، وهو السبب الذي جعل من 120 ألف فارس منغولي بقيادة «جنكيز خان» يستولون على العالم كله، ويغلبونه في مواقعه مثل شعوب الصين، وروسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط.

في هذه السهوب ومع هذه الذئاب الشرسة التي تعلم منها جنكيز خان كل أساليبها في الحرب والإبادة، عاش الكاتب مع مجموعة من الطلاب الصينيين يبلغ عددهم بين 15 و20 ألفاً، أرسلهم النظام الصيني إلى منغوليا الداخلية ليعيشوا مع البدو الرعاة، ليتعلموا منهم طريقة الرعي وتنمية القطعان، وفي ذات الوقت يتم إبعادهم عن الصين.

وبالرغم من كل قسوة الطبيعة وغارات الذئاب فإن الكاتب عشق طبيعة الحياة في منغوليا، وتأثر بالميثولوجيا التي تتحكم في حياتهم، وبرمز الذئب الذي يسير واقعهم ويسيطر عليه. وبلغ فيه التأثر إلى حد أنه ربى جرو ذئب حتى يطبق عليه دراسته، ومحاولته في فهم طباع وعادات الذئاب.

الرواية فيها سرد واقعي لحياة هؤلاء البدو المثالية في فهمهم لواقع التوازن البيئي، واحترامهم للأم الأرض، ولقوانين الطبيعة، حيث يشرح الأب الكبير «بلغي» للكاتب كل تفاصيل هذه القوانين، وكيف يراعونها في حياتهم، فالسهوب هي الحياة الكبرى التي يجب المحافظة عليها بالدرجة الأولى، والإنسان والحيوان هما الحياة الصغرى التي تعتاش على الحياة الكبرى، فمن المهم المحافظة عليها حتى وإن كان على حساب الحياة الصغرى.

الرواية تزخر بالمشاهد الرهيبة التي تبلغ القمة في روعتها، حتى أنها تمنح الشعور بالمشاهدة لا بالقراءة، فكلها مشاهد سينمائية، حية وبالألوان الطبيعية، وبالسينما سكوب. مشاهد حرب مع الذئاب، ومع العواصف الثلجية المسماة ذات الشعر الشائب، ومع المطاردات العنيفة في وسط هذا كله. لقطات بانورامية تأخذ الألباب، وتقطع الأنفاس... رواية تستحق القراءة من الجميع، لأنها بالفعل عمل عملاق وخلاق وحقيقي... في المقال القادم سوف أعرض بعض الفقرات المدهشة من الرواية.