العرف إلى جانب التشريع

Ad

القانون هو صنو الجماعة، والتشريع الذي تقره السلطة التشريعية يعتبر مصدراً له، إلا أنه ليس المصدر الوحيد في ما يعرف في الاصطلاح الفقهي بمصادر القانون، بل يقوم إلى جانبه أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لحكم المادة الثانية من الدستور.

كما يقوم إلى جانبهما العرف، وهو ما اضطرد الناس على اتباعه من عادات مع شيوع الاعتقاد بوجوب احترامها والالتزام بها، لذلك كان العرف أسبق من التشريع نشأة وتطبيقاً، وبعد نشأة المجتمعات الحديثة وقيام سلطات تشريعية فيها، ظل العرف يلعب دوراً مهماً إلى جانب التشريع.

فالعرف- كما جاء في مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الذي يعتبر المصدر التاريخي للقانون المدني الكويتي- هو المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالاً مباشراً بالجماعة ويعتبر وسيلتها لتنظيم تفاصيل المعاملات التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص، ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل إلى جانب التشريع مصدراً تكميلياً خصباً لا يقف إنتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء.

 العرف والشريعة الإسلامية

يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".

لهذا توسد العرف مكانه في الشريعة الإسلامية حتى قيل إن "الثابت بالعرف كالثابت بالنص" و"المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً".

 كما نصت المادة (36) من مجلة الأحكام العدلية على أن العادة محكمة بمعنى أن العادة عامة كانت أو خاصة تجعل حكماً لإثبات حكم شرعي، والعادة هي ما يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المعقولة عند الطبائع السليمة.

كما نصت المادة (37) من المجلة على أن استعمال الناس حجة يجب العمل بها.

 العرف مصدر للقانون العام والخاص

وقد لعب العرف دوراً كبيراً في المعاملات التجارية، قبل صدور قانون التجارة رقم (2) لسنة 1961 بتاريخ 23/1/1961، وبعد صدوره، بل بعد صدور قانون التجارة رقم (68) لسنة 1980، حيث ظل العرف يحتل أهمية كبيرة باعتباره عرفاً مكملاً ومفسراً لأحكام القانونين.

كما اعترف القانون المدني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (67) لسنة 1980 بالعرف، باعتباره مصدراً من مصادر القانون، إلا أن ورود هذا الاعتراف في القانون المدني، لا يعني أنه يطبق على المعاملات المدنية وحدها، بل أكبر الظن أنه يعني ما للعرف من أهمية خاصة في المعاملات المدنية وبوجه خاص في المعاملات التجارية، بل يمتد العرف ليشمل كل فروع القانون العام والخاص، فيوجد إلى جانب الدستور المكتوب عرف دستوري، وإلى جانب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة عرف برلماني.

 العرف الدستوري

والعرف الدستوري هو ما اضطردت سلطة من السلطات الدستورية على اتباعه من قواعد في تنظيم عملها أو في علاقاتها بغيرها من السلطات، مع شيوع الاعتقاد لديها ولدى سائر السلطات بأن هذه القواعد هي جزء لا يتجزأ من النظام الدستوري والقانوني، أي أنه يشترط للقول بوجود عرف دستوري، ألا تكون هذه القواعد محل اعتراض من السلطات العامة الأخرى، وألا يكون مخالفا للدستور المكتوب.

 العرف البرلماني

والعرف البرلماني هو ما اضطرد البرلمان (مجلس الأمة) ولجانه على اتباعه من عادات وقواعد تنظم سير العمل فيه ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر صلاحيات المجلس ولجانه، مما سكتت عنه اللائحة الداخلية للمجلس.

 العرف الدستوري في أميركا وبريطانيا

وتوجد أعراف دستورية وسياسية مهمة في الحياة الدستورية والسياسية للعديد من الدول، ففي الولايات المتحدة الأميركية، لا يعلم الكثيرون أن عدم جواز انتخاب رئيس الجمهورية لفترة ثالثة، لا يستند إلى نص دستوري إنما إلى العرف الدستوري وأن عدم جواز اختيار رئيس مجلس الوزراء في بريطانيا من اللوردات يرجع إلى عرف دستوري في سابقة في عام 1923، عندما اعترض على اختيار اللورد curzon رئيساً لمجلس الوزراء، فاستبدل به المستر بلدوين.

العرف الدستوري في مصر

إن رئاسة رئيس الدولة لمجلس الوزراء في أغلب بلدان العالم يستمد من قاعدة عرفية، وقد اعتبر رئاسة الملك في مصر لمجلس الوزراء كلما أراد ذلك عرفاً دستورياً لخلو دستور 1923 من النص على ذلك.

 العرف الدستوري في الكويت

ولهذا فإن اضطراد العمل في جلسات مجلس الأمة على وجوب حضور الحكومة برئيس مجلس الوزراء أو بعض الوزراء، وفض اجتماعات مجلس الأمة، التي لا تمثل فيها الحكومة ولو بوزير واحد لعدم اكتمال النصاب، ولو كان النصاب مكتملاً من ناحية الأعضاء الذين حضروا من غير الوزراء، هو عرف دستوري مكمل لنص المادة (116) من الدستور.

إلا أن رئاسة أمير الكويت لمجلس الوزراء في بعض الظروف لا تستمد من عرف دستوري، إنما تستند إلى ما تنص عليه المادة (52) من الدستور من أن "السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء".

وللحديث بقية... إن كان في العمر بقية.