طريق طويل...
منذ عشر سنوات وتحديداً في مايو 2000، شاركتُ في مؤتمر عُقِد في قبرص تحت عنوان مستقبل العراق، وطرح أحد المشاركين بنبرة يملؤها اليأس سؤالاً، ما هي توقعاتكم لحال العراق بعد مئة سنة؟ فجاءت الإجابة سريعة من مشارِك عراقي يائس قائلاً: أتخيل الوضع حيث يخرج رئيس الجمهورية والناس تهتف قائلة: «هلا بيك هلا... يا اللي جدتك حلا»، بمعنى أن مَن سيحكم حينذاك هو حفيد صدام، أما اليوم فلا حلا ولا غلا ولا قصي ولا عدي ولا صدام «ذات نفسه» عاد موجوداً.
صدام ذاته كان قد قرر قبل فترة وجيزة من سقوطه، أن يتحدى العالم، إذ أبلغ الدنيا أن مكانته عند الشعب العراقي هي أعمق مما يتخيل المتخيلون، وهكذا قال إنه سينزل الانتخابات ضد نفسه، بالطبع حيث لا يوجد مرشح غيره، وإنه سيحصل على مئة في المئة من أصوات الشعب العراقي، بما في ذلك الأموات، وهكذا كان. بعد سقوط صدام زرت العراق مئات المرات في مهمات إنسانية متنوعة، كان من ضمنها دعم المجتمع المدني، وعندما كنت أتحدث إلى العراقيين عن الانتخابات كان الرد يكاد يكون إجماعياً بأن الانتخابات مزورة، أي أنه في عقلهم الباطن والظاهر كانت كل انتخابات مزورة. في السابع من مارس 2010 جرت الانتخابات البرلمانية الثانية في العراق بمشاركة 62 في المئة، شارك فيها 657 مراقباً دولياً، و115 ألف مراقب عراقي، و476 ألف مندوبٍ للأحزاب، و2000 صحافي أجنبي ومحلي، كما أشرف عليها ما يزيد على 300 ألف موظف تابعين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات. منذ 2005 مارَس العراقيون خمس ممارسات انتخابية، كالاستفتاء على الدستور فالانتخاب العام فانتخابات محلية فانتخابات إقليمية في يوليو 2009. التغيير الذي يجري في العراق، وبغض النظر عن أين تقف سياسياً، يدخل في جانب التغير الاجتماعي السياسي، والانتخابات ليست إلا مؤشراً لتحولات بدأت تتحرك في العراق، نأمل أن تستمر في اتجاهها الصحيح. المفوضية المستقلة للانتخابات استطاعت أن تكسب احترام الجميع في مجتمع صعب، وفي مرحلة تحوُّل سياسي حرج، وهي مكسب نأمل أن نستفيد منه، كذلك هو الدور الذي لعبته الأمم المتحدة، والتي أبدعت في إشرافها على أكبر عملية انتخابية في تاريخها. مازال الطريق أمام العراق طويلاً، ولكن من الواضح أنه يسير في الطريق الصحيح؛ فمن مصلحتنا جميعاً أن يستقر العراق، ويصبح نظاماً ديمقراطياً، إنها البداية، ولكنها مشجعة فمازال الطريق مليئاً بالحفر. «الخارجية»... يا خسارة في رد وزارة الخارجية الثاني على مقالي حول المخالفات المرورية في نيويورك، دافعتْ عن موقفها عن طريق اتهام دول كبرى بأنها لا تدفع أيضاً، فمادامت أميركا لا تدفع فلماذا يلوموننا؟ «مثلما هو حاصل حالياً مع سفارة الولايات المتحدة في لندن، التي فاقت قيمة مخالفاتها 5 ملايين دولار». كنت حتى قبل يومين أظن أن رد «الخارجية» افتقر إلى الحصافة، دع عنك خلوَّه من الدبلوماسية، حتى جاءني التوضيح من عدة مصادر أبرزها الخارجية البريطانية، إذ أكدت بريطانيا أنه لا يوجد أية مخالفات مرورية على أميركا، فهي تدفع مخالفاتها بانتظام، ولكن هناك خلافاً قانونياً بين البلدين حول ما يسمى بضريبة الازدحام، التي أضيفت على السيارات الداخلة إلى لندن وأطلق عليها «Congestion Charge» إذ تعتبرها الولايات المتحدة ضرائب مخالِفة للأعراف الدولية، وبالتالي فهناك خلاف قانوني قائم بين البلدين، أما المخالفات المرورية فالولايات المتحدة ملتزمة بدفعها دون تأخير، حسب مصادر وزارة الخارجية البريطانية. وهكذا لم يكن الرد فقط بعيداً عن الدبلوماسية ولكن المعلومة برمتها غير صحيحة... يا خسارة. بلير اللي فيه خير!! خالص الشكر لكل مَن اتصل أو علَّق بوسائل تكنولوجيا الاتصالات المختلفة على المقالتين اللتين نشرتهما عن الاستعانة بتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق لوضع خطة الكويت، وربما الإشراف على خطة التنمية. والشكر موصول لكل مَن زودني بمعلومات إضافية حول الشبهات المثارة بشأن صيغة التعاقد تلك، والتي ستجد طريقها إلى النشر حالما يتم التأكد من مصداقيتها، وكل ما أتمناه أن تحرص الجهة أو الجهات المنظمة لذلك العمل على الشفافية والوضوح وتجنُّب السرية في عمل تنموي من متطلباته الانفتاح والمشاركة، وإلا فإن الشبهات ستتزايد.