إنه هو من حضّر للهجوم الانتحاري الأخير ولا أحد سواه، إنه ليس سوى مايكل ليدن نفسه رئيس القسم الإيراني في معهد واشنطن الاستخباري للشرق الأدنى، وصاحب نظرية ضرورة «دمقرطة» إيران بأي ثمن كان عبر تحريك أقلياتها الكثيرة ودعمها وإسنادها بالمال والسلاح، وكل شيء من أجل نزع صفة الأكثرية عن الحكم المركزي الفارسي الذي لا يمثل في الواقع سوى أكبر الأقليات، كما جاء في أحد تقاريره المرفوعة إلى وزارة الخارجية الأميركية قبل سنوات.

Ad

إنه هو ذلك العقل المنفصل بالذات لأجهزة الاستخبارات الأميركية منذ عهد بوش الابن وحزبه الجمهوري وعصابة المحافظين الجدد، وصولا إلى عهد أوباما الديمقراطي التغييري.

وعليه فإن الهجوم الانتحاري الإرهابي على قيادات الحرس الثوري الإيراني في بلوشستان لم يكن في الواقع سوى الشرارة التي توحي بانطلاق الحرب الاستخباراتية المفتوحة بين واشنطن وتل أبيب، وبعض حليفاتهما من عواصم الغرب والإقليم من جهة، وبين طهران وحليفاتها من قوى المقاومة والممانعة من جهة أخرى، وذلك تعويضا عن عجز المحور الغربي عن شن الحرب العسكرية المباشرة على طهران أو أي من حليفاتها في ظل معادلة الرعب المتبادل القائمة منذ مدة في المنطقة.

قد يكون حتى بعض الإيرانيين قد نسوا ماذا كان يفعل مايكل ليدن هذا منذ عدة سنوات! إنه هو من احتضن ولايزال كل أشرار من يسميهم بالنخب المهاجرة من الأقليات القومية المختلفة التي اتخذت من عواصم الغرب الاستعماري مقار لها، للتآمر على شعبها بحجة «دمقرطة» العالمين العربي والإسلامي، ونشر «ثقافة حقوق الإنسان» والذين ليسوا سوى تلك الفئات البائسة والتعيسة من أشباه النخب والمثقفين، وبقايا العلمانيين، واليسار المفلس، وبعض السلفيين التكفيريين من المفلسين الجدد الذين لفظتهم مجتمعاتهم، فإذا بحواضر لندن وواشنطن وباريس تصبح مرتعا لمؤامراتهم على شعوبهم.

كلكم يتذكر معهد إنتربرايس الذي يعمل فيه مايكل ليدن ومن لفّ لفّه من رجال الاستخبارات الأميركيين الذين قرروا، ومنذ مدة وفي محاضرات علنية لهم، تعميم ثقافة ما بات يعرف بالفوضى المنظمة والفوضى الخلاقة منذ أن أطلق أرباب من قادة المحافظين الجدد نظرية الحروب الوقائية.

لم يترك مايكل ليدن منظمة إرهابية إيرانية أو شبه مثقف بائس ومتشرد في أوروبا أو العالم إلا دعاه إلى واشنطن، عارضاً عليه أن يحضر ويحاضر عن «استبداد» حكام بلاده أولا، ومن ثم يعرض عليه المال والسلاح والدعم اللوجستي للوصول إلى أي من مناطق الحدود الإيرانية لإشعال حرب مذهبية أو طائفية أو عرقية أياً كان حجمها، بحجة أن إيران الواقعية ليست إلا حكما استبداديا تحكمه أقلية فارسية كبرى لا تعبر عن الأكثرية الحقيقية، فضلا عن أنها غير ديمقراطية أصلا كما يروج.

هكذا عمل مع إرهابيي من يسمون أنفسهم بالأحوازيين من محافظات الجنوب الأبية ذات الأكثرية العربية الشريفة، التي قدمت أفضل أبنائها دفاعا عن أسوار الوطن الأم إيران المسلمة.

وهكذا عمل مع إرهابيي حزب البيجاك التوأم لحزب العمال الكردستاني المتغلغل في محافظات الشمال الغربي، التي تقطن بعض مدنها أكثرية كردية، اعتبرت ولاتزال نفسها هي أصل الأمة الإيرانية الكبرى، ولطالما كانت السد المنيع أمام اعتداءات الإرهابيين وأربابهم من رعاة الإرهاب الدولي.

وها هو اليوم يعمل مع بعض شذاذ الآفاق من المنتسبين إلى بلاد بلوشستان، لكنهم مطرودون من بين أبناء جلدتهم ومتدثرون اليوم بعباءة قطّاع الطرق من تجار المخدرات، وتجار السلاح، وبعض عناصر حرس الحدود الباكستانية الذين باعوا أنفسهم للشيطان من أجل بث الفرقة بين الشيعة والسنة، وتمزيق عشائر سيستان وبلوشستان، طمعاً ببعض المال والجاه لبعض الوقت في مجاهل مثلث الحدود الباكستانية الأفغانية الإير انية.

إنها المهام القذرة الموكلة لأجهزة استخبارات الدول الاستعمارية بعد أن أفلست حكوماتها في مخططاتها العديدة لزعزعة نظام الحكم في طهران، ناهيك عن توجيه ضربة عسكرية مباشرة له.

هذه هي خلاصة وعصارة المشهد المأساوي الذي خلفه الاعتداء الإرهابي الأخير على مهرجان الوحدة الإسلامية الذي كان يرعاه الحرس الثوري الإيراني في منطقة سرباز البلوشية، في محاولة واضحة لكنها يائسة من أجهزة استخبارات الموساد الإسرائيلي المغطى من أجهزة استخبارات مايكل ليدن وغيره من مروجي أفكار الانتداب «الديمقراطي» على العالمين العربي والإسلامي، والتي تؤكد كل تقارير الحرس الثوري الإيراني وسائر أجهزة حكومة أحمدي نجاد بأنهم كانوا وراء عملية جماعة عبدالملك ريغي جندالله، المحمي في الأراضي الباكستانية تحت رعاية أميركية والقاضية بمحاولة إشعال فتنة سنية شيعية جديدة بمحاذاة حدود شبه القارة الهندية، انتقاما لفشل واشنطن وتل أبيب في حربهما ضد طهران وحليفاتها من عرب المقاومة والممانعة، ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني.

وثمة من يقول انتقاما أيضا من خسران واشنطن وتل أبيب لجولتي جنيف وفيينا أيضا في المفاوضات المتعددة الأطراف حول الملف النووي الإيراني، الذي يبدو أنه أفلت من يدهم تماما كما أفلتت حكومة أحمدي نجاد، ولم يبق أمامهم إلا الحرب الاستخبارية المفتوحة ضد هذا البلد المناكف والمغرد خارج السرب رغم أنف الكبار.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء