في البدء كان فقط القطاع الخاص. وبعد 1952 تداخل العام مع الخاص، ولم يطل العهد بالخاص حتى رفع الراية البيضاء راغباً لا متمنعاً، ودانت الدولة للقطاع العام.

Ad

في بلدٍ كالكويت، لا يمكن للقطاع الخاص إلا أن يكون مكملاً للصورة، والصورة في البلد مشوهة وضائعة وغير مستقرة، والقطاع الخاص جزء من هذه الصورة.

كانت أولى المؤسسات الخاصة الكبرى هي بنك الكويت الوطني الذي تأسس عام 1952، في وقت كانت هناك ملامح قطاع خاص إنتاجي حقيقي لا تزال موجودة، والدولة ممثلة في الشيخ عبدالله السالم لم تقف موقف المتفرج، بل تفاوض الشيخ العود مع البريطانيين الذين رفضوا تأسيس البنك، وفرض عليهم وجود البنك، بل إنه أودع مبلغ مليون جنيه استرليني كوديعة بدون فوائد دعما للبنك. وبدأت في تلك الحقبة ملامح قطاع خاص منتج تكتمل بشركات متنوعة، إلا أنه سرعان ما ضاعت تلك الصورة وتحوَّل القطاع الخاص إلى تابع للعام، وتحولت غالبية التجار إلى وكلاء بالعمولة في انتظار المناقصات الحكومية، وانتهت -أو كادت- القيمة الإنتاجية، وتحوَّلت العملية إلى حالة طفيلية تتداخل فيها السياسة مع المنفعة.

وهكذا تراجع القطاع الخاص عن لعب دوره التنموي، إلا مَن رحم ربي، وأخذت قلاع القطاع الخاص تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وتُباع للحكومة، وكان آخر معاركها معركة البترول الوطنية سنة 1975، التي جاءت ضمن حملة لتأميم القطاع النفطي برمته، ولحق ذلك تملك من نوع آخر، إذ كلما حدثت أزمة أو تراجع في البورصة تدخلت الحكومة لشراء الأسهم «الطايحة» وبالتالي أصبحت الحكومة أو القطاع العام مالكاً لأغلب القطاع الخاص، بما في ذلك قطاع البنوك.

أما الآن، فيراد للمجتمع -أو هكذا يشاع- أن يتحول القطاع العام إلى القطاع الخاص من خلال قانون، وهي حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، فالثقة بكثير من ممارسات القطاع الخاص مهزوزة، إن لم تكن معدومة، أما الحكومة التي سيكون لها دور كبير في عملية التحول فتعاني ثقوباً لها أول وليس لها آخر.

يحق لنا أن نخاف من تلك العملية برمتها، فتجربة ستين عاماً لم تكن مشرقة، ولا أدري إن كان قد استجد أمر يجعلنا أكثر اطمئناناً، وقد ثبت لنا بالدليل القاطع أن القوانين وحدها، دون وجود البيئة الحاضنة غير كافية لحماية المجتمع.