العقم المسرحي
سألتني زميلة لبنانية في العمل عن معنى كلمة كويتية قلتها، فتبرع زميل أردني بالرد، وأكمل الزميل: من لا يعرف اللهجة الكويتية فاتته أعمال مسرحية رائعة لعبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج، ثم واصل اطراءه للأعمال المسرحية الكويتية حتى شعرت بنشوة وكأن المديح موجه إلي شخصيا، لكن النشوة لم تكتمل حين وجه الزميل كلامه الي يسألني لماذا تراجع المسرح الكويتي؟ لم أقدم إجابة كاملة للزميل. ربما لا أمتلك إجابة كاملة وتشخيصا منطقيا لتراجع صرح مهم من صروح الثقافة الكويتية. على من ألقي اللوم. هناك أكثر من جهة يمكن أن نلقي اللوم عليها أيسرها وأكثرها سهولة وراحة هي الدولة. حين عدت الى الصحف في اليوم التالي قرأت رجالات المسرح وهم يلقون اللوم السهل على الدولة، واتهامها بأنها عدوة للمسرح، ويحق لأهل المسرح أن يشخصوا مشكلتهم كما يرون، ولست هنا بمكان المدافع عن الدولة وسياستها تجاه المسرح، وسأتفق معهم مؤقتا على أن السبب هو الدولة، ولكن ماذا نفعل ببقية الأسئلة الشائكة التي لم يتطرق إليها رجالات المسرح؟ طرح هذه الأسئلة الهدف منه هو البحث عن إجابات وتشخيص منطقي للأزمة.
تنحصر الأسئلة حول مقومات المسرح الجاد: الجمهور، النص، الممثل، ثم أخيرا المقر. قدمت الجمهور لإيماني بأن غياب الجمهور عن المسرح هو سبب كاف لتراجعه. فلا يمكن أن يقدم المهتم بالمسرح، سواء كان كاتبا أو مخرجا، عملا مسرحيا لا يحضره أحد. ولكن الجمهور المسرحي تأسس في السنوات الأخيرة تحت وطأة المسرح الهزلي وعبث الصف الثاني من المسرحيين نحو الكوميديا التجارية الهابطة. تلك السطوة جعلت إعادة الجمهور الى مقاعد المسرح الجاد صعبة وفي حاجة الى تضحيات كبيرة وصبر طويل بعدد السنوات التي أضاعها المسرح الهزلي. لا تقتصر هذه التضحيات على تقديم عروض يحضرها القلة في بادئ الأمر، ولكنها تضحيات يساهم فيها نقاد وكتاب لإعادة الروح إلى المسرح الجاد. الدعامة الثانية للمسرح هي النص لكاتب مسرحي متخصص. غياب النصوص المسرحية الجادة ترك المجال مفتوحا في سنوات تردي المسرح لمجموعة من الكتاب كان آخر همهم المسرح. النص المسرحي كان مهمة يقوم بها في الأغلب الممثل أو المخرج وقليل من الكتاب، وليس من مخرجات المؤسسة التعليمية كتاب مسرحيون كما هو الحال في التمثيل والإخراج. وإذا عجزت المؤسسة المسرحية عن تقديم كتاب مسرحيين فستبقى أزمة المسرح قائمة والحلول الفردية لا تفي بحل الأزمة. الممثل المسرحي ليس مشكلة في الأزمة المسرحية، فمجاميع الشباب الجادة وتواصلها مع الصف المخضرم بإمكانها أن تعيد بهاء المسرح إذا توافرت الرغبة في إنقاذ المسرح. أخيراً تبقى مسألة المقر وهي المشكلة الوحيدة التى يراها القائمون على المسرح، وتلك مشكلة لا نقلل من شأنها، ولكن نختلف في أنها السبب الرئيسي في تردي أحوال المسرح. وهنا أستحضر عمل الزميل ناصر كرماني "غسيل ممنوع النشر"، وهو عمل مسرحي جاد أجاد فيه ممثلوه ومخرجه، ونال استحسان قطاع كبير من المتابعين، وعرضه كرماني ذات مرة على مسرح رابطة الأدباء، وهو مسرح غير مخصص للأعمال المسرحية، وكان بإمكان كرماني أن يعرضه على خشبة منصوبة في حديقة عامة دون أن يختل العمل أو يفقد مقوماته المسرحية، ورغم جرأة الطرح في العمل نال جائزة من الدولة.