لا تختلف مقاربة ملف الانتخابات البلدية في لبنان عن غيرها من الاستحقاقات، لناحية احتدام السجال بين مختلف القوى في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات. وفي حين تخضع اقتراحات وزير الداخلية والبلديات لغربلة ثانية في مجلس الوزراء بعد غد، فإن التوجه النيابي لخفض سن الاقتراع لا يبدو محسوماً، رغم الإجماع التام على المبدأ.

Ad

كثيرة هي الاقتراحات التي أوردها وزير الداخلية والبلديات اللبناني زياد بارود في إطار تصوره لمشروع قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، المتضمن صيغ القوانين السابقة المعدلة في صيغة واحدة. ولعلّ من أبرزها اعتماد كوتا نسائية بنسبة 30 في المئة من مجمل المقاعد، وتطبيق النسبية في البلديات التي يزيد عدد أعضائها على 21 عضواً، وانتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة من الشعب، فضلاً عن اشتراط أن يحمل المرشح لمنصب رئيس البلدية شهادة جامعية، والمرشح لمنصب المختار شهادة ثانوية.

ولم يكن من المستغرب أن تحظى هذه الاقتراحات–الاصلاحات، في جوانب منها، على موافقة قوى سياسية ومعارضة بعضها الآخر، انطلاقاً من الحسابات والمصالح الضيقة التي تحكم أداء كل جهة، انطلاقاً من تداخل الخصوصيات المناطقية والطائفية والعائلية في كل بلدة وتحكمها بالعملية الانتخابية. وقد ذهبت بعض القوى السياسية إلى حد المزايدة على اقتراحات الوزير بارود، فطالب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون بتقسيم العاصمة بيروت ثلاث دوائر انتخابية، بينما درجت العادة على انتخاب مجلس بلدي وفق مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وسارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الدعوة إلى جلسة نيابية تعقد غداً من أجل إقرار خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، تمهيداً لمشاركة هذه الفئة من الشباب في الانتخابات البلدية، المقررة في شهر مايو المقبل.

ولم تلحظ سلة إصلاحات بارود اقتراح خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، انطلاقاً من موافقة مجلس النواب على تطبيق هذا المبدأ بدءاً من الانتخابات النيابية المقبلة، وهو ما سينسحب بالتالي، بشكل تلقائي، على الانتخابات البلدية التي ستليها. ويطرح هذا الاقتراح، في حال إقراره سلسلة من الصعوبات التقنية، باعتبار أن المهلة النهائية لتقديم وزارة الداخلية القوائم بأسماء الناخبين هي في 10 فبراير المقبل.

من وجهة النظر القانونية، لا يمكن مناقشة تعديل المادة الدستورية المتعلقة بخفض سن الاقتراع إلا بالتئام أكثرية ثلثي مجلس النواب، وكذلك الحال بالنسبة للتصويت. وإذا ما تمّ التصويت لمصلحة التعديل الدستوري في جلسة الغد، فإنه ينبغي على وزراة الداخلية أن تضيف ما يقارب 283 ألف اسم على القوائم الانتخابية، بعد نشر التعديل في الجريدة الرسمية، وقبل 10 فبراير المقبل، آخر مهلة لإعلان القوائم الانتخابية، وهو بالأمر الصعب عملياً من الناحية التقنية. مع الإشارة إلى أن إمكان تأجيل موعد الانتخابات، على الرغم من  أنها تلقى رفضاً من أغلبية القوى السياسية، يترتب عليها تعديل في المهلة النهائية لإصدار القوائم.

وفي جردة سريعة لمحصلة المواقف الصادرة في اليومين الأخيرين، تبدو مسألة إقرار خفض سن الاقتراع في جلسة الغد لتطبيقها في الدورة الانتخابية في شهر مايو المقبل مستبعدة، في ظل المعطيات المتوافرة.

وفي هذا الإطار، لم يتخذ تيار "المستقبل" قراراً نهائياً في انتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من جولته الفرنسية، ولكن مجمل مواقف نواب "تكتل لبنان أولاً" ذهبت في اتجاه الموافقة على خفض سن الاقتراع من حيث المبدأ، على أن تطبق للمرة الأولى في الانتخابات النيابية المقبلة، إلى جانب الرفض المطلق لتقسيم بيروت ثلاث دوائر.

وتربط "القوات اللبنانية" بين موافقتها على خفض سن الاقتراع وإعطاء المغتربين اللبنانيين حق التصويت، وأعلن رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات" سمير جعجع أمس، "عدم السير في تعديل الدستور" في جلسة الغد، مؤكداً أنَّ "هذا الموقف ليس موجهاً ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري على الإطلاق".

وتذهب "الكتائب اللبنانية" في الاتجاه عينه. ويسير "التيار الوطني الحر" في التوجه نفسه، فبعد سؤال رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون الرئيس بري عن توقيت طرح الاقتراح، وضع نواب عون إقرار خفض سن الاقتراع في سلة واحدة مع التفاهم على تسهيل مشاركة المغتربين ومسألة إعطاء الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني.

في المقابل، انضم "الحزب التقدمي الاشتراكي" إلى تحالف "حركة أمل"- "حزب الله"، لناحية المضي في التصويت لتخفيض سن الاقتراع، انطلاقاً من أن "هذا الشاب عاجلاً أم آجلاً سيقترع"، على حد تعبير رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط في حديث صحافي أمس.