ما الذي ستفعله الكلمات
والآن، ما الذي ستفعلهُ هذه الكلماتُ القليلةُ، من أجلكِ أيتها الغريبة. لا أبواب هنا لتنفتح ولا هناك. الصبرُ أسلوبُ حياةٍ مخادع. الصبرُ
كلمةُ تعني مدينة أو امرأة. عام 1968 جاء قطارُ الكارثة، فلم يعدالنومُ على ضفافِ أنهاركِ في مساءٍ كهذا غيرَ حلم فوقَ رمادِ الأسّرة. منْ ذكرى سريرٍ ينهضُ الموتُ على أبوابكِ. منْ ذكرى رغبةٍ يتسلق الظلُّ شجرةَ الدار. أنا الغريب، كلما تأمّلتُ سَحابة مرّتْ، أقولُ لها:يا سحابة، يا سحابة أيامي، تعالي واجلسي على ركبتي. أنا الغريبُ أنظرُ إلى مرآتي فأرى طيفَ مَنْ أحبُّ هارباً كلعنةِ العذراء. كنتُ أخرسَ تحتَ برجِ العقرب فاصطادني ضوءٌ لامَس شعركِ تحت برج الأسد ودخلتُ الغابة فكان الكلام. يتيم إلّا من ثمارِ الليّل على حافة المنحدرات.كان ذلك منذ زمنٍ بعيد، منذ كنتُ يافعاً، ينظرُ إلى بئر الأحلام، المليئةِ بالنجوم. نسيمُ الصيفِ يرفعني إلى الأعلى على محفةِ الغفران. المسرّات أكيدةٌ أيضاً، مثلا، ابنُ اللحظةِ هاربٌ من أيامهِ ليقرأ الكتبَ ويشاهدَ الأفلام باستحقاقٍ كامل. كنتُ يافعاً وكنتُ أخاطبُ الصَبيّة كما أخاطبُ الريحَ. متى يصيحُ الديكُ أيتها الصبيّة. الساعة قد تجاوزتِ التاسعة وأنا لم أرها بعدُ. جاء القطارُ الوحشيُّ وعمّا قليل سيحلُّ الظلامُ، في يدي فطيرةُ (كاهي) الصباح، وهذه القرنفلة البيضاء أيضاً. لم أنظرْ من الثقبِ لكنها وقعَتْ. وقعتْ الحربُ أيتها الصبيّة فلا بأس من نسيمٍ يعيدُ شعرها الأسودَ إلى الخلفِ قليلاً.سأنتظر حتى تأتيَ الغريبةُ على أقلِ من مَهْلِ. علّ الصمت يكونُ أمينَ سرّ العافية. «مَن ذا الذي لم يكنْ شاهداً على الضفاف سوى قلبي؟ «تقولُ المغنيّةُ الأجنبيّةُ، وأنا أحتسي العرقَ في حانةِ «شريف وحداد» وأغمضُ عينّي، لئلا تصبّ الأنهارُ كلها في صدري. وعندما عدتُ كنتُ أصعدُ السُلمَ، معي قرنفلةٌ ذابلةٌ، و(اعترافات مالك بن الريب) فسقطتُ في البئرِ وحيداً، وكنتُ بلا أخوة. لم تأتِ الغريبةُ إذن، ولا استبقَ ظلها ملاكٌ في زاوية. لقد كنتُ على حق. الصبرُ كلمة تعني مدينة أو امرأة.على الجسر ينامُ الموتى. شمسُ الخسارات عالية هذا المساء. لا أمل حتى للآلهة، لكنَ موسيقياً أعمى، يُغني من بين الأنقاض، عن الإشراقات الكبرى، ويحلم بالأطياف، يحلم بأطياف ماضيه كأنّ نهرَ حياتهِ سيعودُ ثانية إلى المنبع.لا أثر يدّل على الغريبة، فقط دخّان طفولتها، يُرذرذُ الأعشابَ في السهول والوديان.انظّر إلى مرآتي، فأرى كيف بحيلة سريةٍ يخدعني هذا العالمُ. رغم ذلك، يبدو اليأس أمْلأ من الليل.وأنا أطرقُ الأبوابَ كُلها: الباب المعظّم، الباب الشرقي، باب خراسان أو باب الطلّسم،باب الحديقةِ الخلفية حيث ينامُ أميرُ الخمرةِ وهو يعوي كالذئب. أيتها الغريبة أني أخاطبكِ من منحدرٍ من بعيد،كما لو كنتُ أخاطبُ غزالةً في غابة. هل حقاً بلمسةٍ واحدةٍ تتذكر هذه الشجرة ماضيها الجميل. في شعركِ تلمع زهرة النوم، وصوتكِ أيتها الغريبة،صوتكِ في قلب المرآة حنين دائم إلى النسيان.