آخر وطن: أحبك... بعد الرحيل!

نشر في 04-06-2010
آخر تحديث 04-06-2010 | 00:00
 مسفر الدوسري أحتمي بك منك

أعوذ بجنة جمالك من نار قبحه!

أتفيأ بظلك هربا من هجيرك

أنادي صوت صبحك في ظلمة صمتك

أستجير بدوحتك الغناء من صحرائك المقفرة

أركض صوب جداولك الباردة العذبة،لأطبّب جروح رمضائك، ولأروي عطشي منك،

لا أثق بسواك، ولا أؤمن بقدرة أحد على شفائي غيرك، لا أثق بأن أحداً غيرك قادر على رتق جروحي منك،

وليس سوى شمس يديك يستطيع تجفيف مناديلي،

وليس سوى هتّانك يستطيع زراعة السنابل بدلا من شجر الحرمل في أودية الروح،

حقولك وحدها التي تغري فراشات لغتي ونداوة أحرفي،

نسائمك فقط القادرة على احتضان ستائر نوافذي مساء، ونفض وحشة العتمة عن صدرها،

ويداك وحدهما اللتان تستطيعان التشكّل أرجوحة عيد لطفولة قلبي، أو لقلبي الطفل،

طاعن في الشتاء أنا، وعيناك فقط موقد جمري، ودفء لحافي، ورموشك الطويلة حكايا جدتي قبل النوم عندما كنت صغيرا، تتسلل في داخلي لتنشر الخدر اللذيذ والأحلام.

طاعن في الشتاء أنا، وحنانك مغزل الصوف،

طاعن في الصيف، وأنفاسك نسائمي المبللة بالندى،

طاعن في الخريف، وحضنك الوارف ربيعي دائم الإخضرار،

طاعن في كل الفصول الأخرى التي تتوالد من زمن شفتيك،

أقرأ الأبجدية الخارجة من بينهما لأتعلم الشعر، وأدرس الموسيقى، وأتدرب على الإمساك بالفرشاة وكيفية مزج الألوان.

أبجدية شفتيك المترفة بثراء اللغة، والمحمولة على هودج صوتك المملوء بالحرير...

تعلمني الشهادتين:

أشهد انك أعذب النساء، وأن لا وطن لي سواك.

غريب أنا عندما أكون بعيدا عنك

أصبح منفيّا، أو هاربا من ثأر

تخيفني حملقة الآخرين،

وتريبني أيدي الغرباء الممدودة للسلام،

أتحاشى السير في الطرقات قبل مغيب الشمس بوقت كاف،

أحاذر العبور من الأحياء التي لا أعرفها ولم أألفها من قبل،

أختار الأماكن غير المكتظة بالناس، وغير الخالية منهم أيضا،

أصيخ بالسمع للخطوات التي تسير خلفي لعلي أستطيع أن أميز نوايا صاحبها دون الحاجة لأن ألتفت،

لا أرتاد سوى مقهى واحد، ولا أرتشف قهوتي إلا من نادل واحد، فأحرم من التمتع بها في يوم إجازته الأسبوعية!

ذاك أنا لو عبرت حدود جنتك،

بينما أصبح شخصاً آخر في كنفك،

أصبح أشبه للسواقي في مزرعة فلاح بسيط،

وأشبه فاكهة لم يفسدها الدود في إحدى أشجارها القليلة،

أصبح رائحة خبز خرج للتو من ذمة الفرن...

ورائحة أرض غسلت وجهها منذ قليل بالمطر...

معك أصبح مطرا يُرتجى...

وقمرا يُشتهى...

وأغنية تسرّح جدائل المساء...

ومصباحا يزيّن صدرية ثوبه عند السهر...

يعيدني حبك إليّ، ويعبئ المساحات الفارغة مني بالياسمين، ودهن العود، والكتب، والموسيقى، وعرائش العنب، ورائحة البن...

أحبك...

أعرف أني قلت ذلك لك سابقا،

قلته مرات عديدة، بمناسبة ومن دون مناسبة

إلا أنني أقول هذه الكلمة الآن لا لتعلميها، ولا لتفرحي بها،

ولكن لتعرفي فقط... بأن عدم حبي لك ليس السبب الذي سأفارقك لأجله الآن.

back to top