"وجه في المرآة"

Ad

تأخر "بول" ذات يوم عن موعد كان قد ضربه مع صديق له، فهرع إلى قطار النفق السريع وتوقف هنيهة أمام مكتب الصرافة، ثم أخرج من جيبه بعض النقود ووضعها على المكتب طالبا استبدالها بنقود صغيرة.

ولبث ينتظر عشر ثوان خيل إليه أنها دهر طويل، ثم رفع نظره ليرى سبب التأخير، فإذا به يرى رجلا كالح الوجه لم ير في حياته أكلح منه ينظر إليه بطريقة غريبة، فقال له برما ساخطا: هيا بنا يا صاح، هات النقود ولا تحملق في هذه الحملقة! فلم يكد يقول ما قال حتى تبين له أن هذا الوجه الكالح الذي يحملق فيه إنما هو وجهه، فقد كان واقفا أمام المرآة في ذلك المكتب الصغير الخالي!

فلما ارتد إليه بعض روعه، أدرك وهو مجفل، أنه قد أتيح له اليوم أن يرى وجهه كما يراه الناس، فكان ذلك نقطة تحول في حياته، جعلته كثيرا ما يرد نفسه بعد ذلك عن الانسياق مع أي حافز يدعوه للسخط والغضب... حين يتذكر ذلك الوجه الكالح الذي رآه في المرآة!

***

"موعد مع القدر"

ظل الزوجان عشرين سنة بغير أولاد، فلما علما أن الزوجة حامل، كادا يطيران فرحا، لكن ما إن تمت الولادة، حتى حزن صديقهما الطبيب حزنا شديدا، فقد تبين له أن ذراع الطفلة الوليدة ليست سوية، بل ذاوية لا يرجى منها خير، فتشجع وأنبأ الأب بالحقيقة، وعرض عليه أن يترفق في إبلاغ الأم، فقال الزوج: لا... دعني أخبرها بنفسي.

ودخل الزوج والطبيب على الأم ووضعا الطفلة إلى جانبها، فراحت تعجب بلين بشرتها الناعمة كورق الورد، وبشعرها الناعم كزغب الطير، ثم التفتت إلى زوجها وهي تبتسم وقالت: إنها طفلة رائعة التكوين يا عزيزي... أليست كذلك؟!

لكنها رأت في نظرة زوجها شيئا يريبها، فرفعت الغطاء ورأت الذراع الذاوية، ليسود الغرفة بعد ذلك سكون عجيب، وإذا بالمرأة تلتفت إلى زوجها مرة أخرى، لتقول وكأنها تهمس همسا: لقد تدارك الله برحمته هذه الطفلة فأرسلها إلينا، لعلمه بمبلغ حاجتنا إليها، ومبلغ حاجتها لنا!

***

"صديق قديم"

قضى "جورج" بضعة أسابيع مع صديق له في مزرعة أبيه، فلاحظ أن أباه يقضي نحو ساعة كل يوم في صقل وتنظيف سيارة "فورد" "نص نقل" عتيقة الطراز، فيم يهمل تنظيف سيارتيه الفارهتين الجديدتين، فسأله عن سر ذلك.

فنظر العجوز إليه كأنما ينظر إلى الأفق البعيد وقال: اسمع يا بني، منذ 25 سنة لم أكن أملك سوى هذه السيارة، هاجرت عليها من الولاية البعيدة التي ولدت فيها، وجئت لهذا المكان، فأعانتني على أن أجد عملا وفرت منه مالا قليلا اشتريت به قطعة أرض صغيرة، ثم أعانتني على مقابلة فتاة أحببتها ثم حملتها إلى هذه الكنيسة لأتزوجها، ثم نقلتها مرتين إلى المستشفى وعادت وفي أحضانها ولدان جميلان، وقد نقلت بها نتاج أرضي إلى السوق وساعدتني على أن أجعل هذه المزرعة كما تراها اليوم، فهذه السيارة  

ليست سيارة عتيقة وحسب يا بني، بل هي صديق قديم وفي ومخلص، ولست أنا بالرجل الذي ينسى صديقا قديما!

***

"متسول منطقي"

اقترب متسول من رجل تبدو عليه علامات الغنى ليطلب منه شيئا من النقود يشتري بها فنجانا من القهوة، فرد عليه الرجل معنفا إياه: أهذا كل ما تصنع؟ انظر إلى نفسك، تنام على المقاعد في الحدائق، وتلبس الرث من الملابس، وينال منك الجوع، وتضيع كرامتك بسؤال الناس، فلم لا تأخذ نفسك بالحزم والجد لتعمل عملا يجدي عليك بعض النفع؟!

فرد المتسول مسخفا قول صاحبه: أعمل؟ ولم العمل؟ أأعمل وأتعب وأشقى كي أعول إنسانا مثلي، لا خير فيه أبدا؟!

* "من الإنترنت... بتصرف كبير"