لماذا رحَّبت إسرائيل وفرحت بنجاح نجاد؟

نشر في 24-06-2009
آخر تحديث 24-06-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

يعتقد بعض العالم العربي والإسلامي أن أحمدي نجاد هو أكبر عدو لإسرائيل في المنطقة، وأن هجومه الانفعالي الخطابي من حين لآخر على إسرائيل، هو بمنزلة تمهيد للقضاء على الدولة الصهيونية في تل أبيب، فمن خلال مطالباته المتكررة بمحو إسرائيل من خارطة العالم، كما كان ينادي أحمد الشقيري (1908-1980)- مؤسس «منظمة التحرير الفلسطينية» في 1964، وأول رئيس للجنتها التنفيذية- وضرورة إلقاء إسرائيل في البحر. ولكن نجاد لم يتعظ من دعوة الشقيري وصداها في العالم، ويبدو أنه لم يقرأ تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي إلا لماماً، ولو قرأ هذا التاريخ بإمعان وتفهم لعلم وأدرك، أن مثل هذه الدعوات المجانية الرومانسية لا تزيد إسرائيل إلا قوة، وتُقدم لها الدعاية الإعلامية والسياسية الضرورية في أوساط صناعة القرار في أوروبا وأميركا، وهو ما تمَّ بالضبط، فبعد دعوة الشقيري قامت حرب الأيام الستة 1967، وتلقَّت إسرائيل من الدعم المادي والعسكري ما لم تكن تحلم به، من أوروبا وأميركا، خوفاً من أن يقوم الفلسطينيون بإلقائها في البحر، كما كان ينادي الشقيري!

-2-

واليوم يكمل نجاد ما بدأه الشقيري، فمرة ينادي بضرورة محو إسرائيل من خارطة العالم، ومرة ينكر وجود المحرقة والهولوكوست، ومرة يتحدى إسرائيل بتسليحه وتمويله للميليشيات الدينية كـ«حزب الله»، وحركة «حماس»، والميليشيات الدينية الإرهابية في العراق واليمن، ومرة يغيظ إسرائيل، بتثوير حزب البعث الحاكم في سورية (لاحظوا أن في سورية دكتاتورية حزبية، وفي إيران دكتاتورية دينية «ولاية الفقيه»، وهي شأنها شأن الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفييتي سابقاً)، ومرة يعلن نجاد، عن إطلاق صواريخ الشهاب والعقاب والكباب، التي يصل مداها إلى أكثر من ألف كم؛ أي إلى إسرائيل!

وكل هذه التهديدات تصبُّ في مصلحة إسرائيل، كما كانت تهديدات الشقيري، وبعد ذلك عبدالناصر وأحمد سعيد، والتي نتج عنها نصر إسرائيل الأعظم في حرب 1967، وضياع ما تبقى من فلسطين، واحتلال سيناء والجولان، ولو أرادت إسرائيل احتلال كامل العالم العربي في ذلك الوقت لتحقق لها ذلك، بما كانت تملكه من رصيد عاطفي وتضامن لدى الرأي العام العالمي، نتيجة لتهديدات الشقيري وعبدالناصر، التي كانت بمنزلة صك الضعف والخوف و(المسكنة) لدى إسرائيل في الرأي العام العالمي، والتي نالت إسرائيل بموجبه كل هذا الدعم الذي مكّنها من انتصار 1967.

-3-

إذن، فإسرائيل تتمنى أن يحذو باقي العرب «الممانعين» حذو «العم نجاد»، ويستضعفونها، لكي تبقى في خوف دائم من جيرانها ومحيطها، ولكي تتمكن من تلقّي المزيد من المعونات المالية، والدعم العسكري الأميركي على وجه الخصوص، فإسرائيل لا تعيش إلا في أجواء التهديد والخوف، أما السلام فضرره عليها كبير، وهو كالدواء المرِّ الذي تفضِّل ألا تأخذه، وأن تظلَّ في ألم خوفها الدائم.

فالقول، إن إسرائيل أقوى دولة في الشرق الأوسط، لا يناسبها.

والقول، إن جيش الدفاع الإسرائيلي جيش قوي لا يُقهر، يضرُّ بمصالحها، والقول إن التكنولوجيا والعلوم في إسرائيل تتقدم، بينما ينام العالم العربي في العسل هانئاً، يُحفِّز العالم على محاسبتها حساباً عسيراً.

-4-

كتب بن كاسبيت، المحلل الإسرائيلي البارز، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المستويين السياسي والأمني في الدولة العبرية، في صحيفة (يديعوت أحرنوت) في 13/6/2009، على الصفحة الأولى، وبالبنط العريض يقول إنّ مصدراً سياسياً إسرائيلياً، لم يفصح النقاب عن اسمه، صرَّح بأنّ الدولة العبرية تفضِّل أن يتمَّ انتخاب الرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد، مرة ثانية، زاعماً أنّه، أي نجاد، خدم المصالح الإعلامية لإسرائيل بتصريحاته المتطرفة، ودعوته للقضاء على إسرائيل، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى العمل من أجل إحباط وإفشال البرنامج النووي الإيراني.

وقالت الصحيفة إن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً، يعمل في قسم الإعلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكد للصحيفة، أنّ نجاد قدّم من حيث لا يدري أكبر مساعدة للدولة العبرية، وتمكَّن عبر تصريحاته ضد الدولة العبرية، من دفع الأسرة الدولية إلى العمل بإصرار على إفشال البرنامج النووي الإيراني، زاعماً أنّ نجاد هو أبرع وسيلة مارستها إسرائيل في مجال الدعاية في العالم.

-5-

وإسرائيل تتفهم الوضع في إيران الآن على الوجه التالي:

يُعتبر الرئيس الإيراني نجاد، دمية بيد الحكام الحقيقيين، وهم رجال الدين برئاسة علي خامنئي، وهناك تقدم في المشروع النووي، ومازال، من دون صلة بهوية الرئيس ومواقفه، لذلك، من الأفضل لإسرائيل، أن يكون الناطق الأبرز لإيران (وهو نجاد) متنكراً للمحرقة النازية، ومهدداً بإزالة إسرائيل، لأن ذلك يُسهِّل عليها حشد التأييد العالمي للضغط على إيران.

وفي صحيفة «هآرتس»، قال البروفيسور منشاري في 14/6/2009: «في الدولة العبرية يرون في انتصار أحمدي نجاد ميزة، في إطار الرغبة في تشديد العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة من قبل الأسرة الدولية على إيران».

وقبل إلقاء نتنياهو خطابه في جامعة بار إيلان، رداً على خطاب أوباما في جامعة القاهرة، كتب منشاري يقول: إن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، سقطت على رئيس الوزراء الإسرائيلي كثمرة ناضجة جداً، قبيل خطابه في بار إيلان، إذ إنّ نتنياهو سيشرح للعالم مدى خطورة التهديد النووي الإيراني ليس فقط على إسرائيل، إنما على العالم بأسره، والعالم سيستمع إليه بانتباه كبير، ولو أنّ مير حسين موسوي فاز، لكان صعباً على نتنياهو إبراز الخطر النووي الإيراني.

-6-

وقال الإعلام الإسرائيلي على لسان المحلل السياسي سولي شهور، رئيس مركز عوزري للبحوث الإيرانية في جامعة حيفا، في جريدة (يديعوت أحرانوت، 11/6/2009) في مقاله «موسوي سيئ لإسرائيل» قبل الانتخابات، تعليقاً على إمكانية نجاح نجاد، وسقوط الإصلاحي مير حسين موسوي:

«الكثير من الناس سيتنفسون الصعداء، إذا ما انتُخب موسوي غداً للرئاسة الإيرانية. إن انتخاب المرشح الإصلاحي محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة في 1997، ومرة أخرى في 2001، أخرج إيران من العزلة التي كانت تعيشها، وفتح أمامها البوابات التي كانت مغلقة حتى ذلك الحين. وعملياً أطال حياة النظام الإسلامي. وفي واقع الأمر لعبت فترة رئاسة خاتمي بقدر كبير في تحييد العنصر المتفجر من الداخل، وطمس الانتقاد من الخارج، أما بعد انتخاب نجاد المتطرف في 2005، ولاسيما في أعقاب تصريحاته اللاذعة، ضد دولة إسرائيل، ووقوفه على رأس ناكري الكارثة، بدأ العالم الغربي يرى في إيران مثلما أراد قادة إسرائيل أن يروا فيها، أما نجاح موسوي، فسيدفع إدارة أوباما وقادة الدول الأوروبية، إلى أن يكونوا أكثر انفتاحاً وإنصاتاً، وأقل انتقاداً لإيران.

ولعل هذا ما يفسر حرص 25 ألف يهودي/إيراني، في إيران، على انتخاب نجاد.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top