مهما علا الصوت الإسرائيلي هذه الأيام فإن ثمة حقيقة باتت شبه ثابتة في المستقبل المنظور على الأقل، ألا وهي أن تل أبيب ليست بقادرة على فرض تسوية مع العرب، وبالتالي مع محيط الجوار الإسلامي المساند للعرب بشروطها هي، ولا هي بقادرة على فرض حرب عليهم منفردة كانت أو شاملة.

Ad

في المقابل فإن العرب الذين تداعوا لتوهم إلى قمة سرت أثبتوا بالمقابل بما لا يقبل الشك والتردد، أنهم إنما يلعبون في الوقت الضائع في لعبة الأمم، وهم لا يملكون أي تصور واضح لموقعهم في المعادلة الدولية على المستويين القريب والبعيد.

صحيح أن الإسرائيليين يستغلون الوقت الصعب الذي يمرون به لممارسة مزيد من الاستضعاف ضد الفلسطينيين لاسيما المقدسيين منهم، لكن الصحيح أيضا أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة أثبتا كذلك أنهما عاجزان حتى عن فرض تسوية مهينة بالأساس حتى على المراهنين عليها من الجانب الفلسطيني، رغم كل «بهلوانيات» التحدي التي مورست ضد السيد الأميركي أخيرا.

من جانبهم فإن الأميركيين وربيبتهم إسرائيل والذين يحاولون منذ مدة حشد أوسع رأي عام ممكن ضد إيران، وإظهارها العدو البديل للعرب عن إسرائيل، بدؤوا يتعثرون بأذيالهم، رغم كل مظاهر التفوق الإعلامي والمعلوماتي والمخابراتي التي يحاولون تصويرها في حروبهم النفسية ضد طهران.

لكن المشكلة، التي يبدو ألا حل لها في المنظور القريب، هي في النظام العربي الرسمي الذي يكاد ينطبق عليه قوله تعالى: «لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى»، إذ إنه فضلا عن كونه لا يريد أن يظهر وكأنه تابع ومستسلم للبرنامج الأميركي–الإسرائيلي، إلا أنه بالمقابل يتوجس خيفة ليس فقط من التضامن مع إيران الجارة المسلمة والشقيقة، في معركتها «النووية» المشروعة مع الغرب، بل حتى الحوار معها حول قلقه منها أو من مشاريعها أو حول الخلاف معها كما اقترح عمرو موسى، ورفضتها قمة سرت أمام دهشة عقلاء الأمة من عرب وغير عرب.

إذ لا أحد يستطيع أن يفهم مطلقا، وكما قال عمرو موسى نفسه في القمة، كيف أن الأوروبيين والأميركيين ورغم كل خلافاتهم بل خصوماتهم الحادة مع إيران لايزالون غير قادرين على مغادرة خيار الحوار مع طهران، فلماذا يتردد العرب في اللجوء إلى مثل هذا الخيار؟!

قد يستطيع منظرو معارضة الحوار مع إيران، لاسيما تلك النخب المقربة من الحاكم لأغراض فئوية وأنانية ذاتية، الإتيان بعشرات الأدلة التي تجعل الحاكم العربي يتوجس خيفة من الرهان على فتح قنوات الحوار مع طهران، لكن ما لا يدركه المواطن العربي الحريص على أمنه ومستقبله هو تلك الحملة المضللة التي تقودها هذه النخب عن وعي أو دون وعي في تصوير إيران بأنها العدو الأخطر على الأمة العربية حتى من العدو الإسرائيلي نفسه الذي يجاهرنا العداء الوجودي نحن العرب والمسلمين، لاسيما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية!

أعرف أن أصوات المعارضين هؤلاء ستصدح بإعلان قلقها من نوايا إيران في العراق مرة، وحول الخلافات الحدودية مع هذا البلد العربي أو ذاك مرة أخرى، وربما تصعيد اللهجة لتصل إلى ما يسمونه بالخطر الإيراني على الأمن القومي العربي.

لكن ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، ولا يمكن لأي عربي حر شريف وصادق مع أمته وشعبه أن يدركه هو ذلك الإصرار لدى البعض، بتصوير إيران وكأنها متواطئة مع إسرائيل وأميركا من أجل ما يسمونه إضعاف العرب أو إذلالهم أو تركيعهم! ومن ثم التأسيس على ذلك بأن إيران أخطر من أميركا وإسرائيل على العرب، ذلك أن أميركا وإسرائيل عدوان ظاهران فيما إيران عدو باطن!!

إن مثل هذا الكلام ليس فقط يجافي الحقيقة، بل إنه يشكل في العمق طعنة قاتلة في جهود شرفاء العرب وأحرارهم الذين يضحون بدمائهم وأنفسهم من أجل رفعة العرب وعزتهم، بمساعدة جلية لا لبس فيها، تتمثل فيها أعلى درجات التضحية والإيثار من الجانب الإيراني.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نقول لمن نظن فيه حسن النية: ألا يعرف هؤلاء أن الشرط الحصري الوحيد المطروح على طاولة الحوار الغربي مع إيران لقبولها قوة إقليمية عظمى تسرح وتمرح في المنطقة وعلى حساب العرب، هو تخليها عن القضية العربية المركزية أي القضية الفلسطينية حتى من دون الاعتراف الرسمي والعلني بإسرائيل؟!

بل نزيد هؤلاء من الشعر بيتا، فنقول لهم إن عربا أقحاحا من النظام العربي الرسمي هم من بين من ينقلون هذه الرسائل، ويضيفون عليها بأن واشنطن تقول لهم حاولوا أن تقنعوا إيران، وهي الأمة الأكبر والأهم تاريخيا وحضاريا، بعدم الإصرارعلى ربط مصيرها بقوى أو منظمات عربية صغيرة مصنفة في دائرة الإرهاب، فضلا عن أنظمة متهاوية لا تملك أي مشروعية بين جماهيرها غير توظيف العامل الفلسطيني.

إنها معلومات يا إخوان وليس تخمينات أو تحليلات، وهي تتدفق على طهران باستمرار، والأمر لا ينحصر بإعطاء دور إيراني ريادي في هذه الساحة العربية أو تلك بل في المنطقة ككل، ولو كانت إيران تضمر العداء للعرب فعلا كما تقولون سواء كأنظمة أو كأمة أو أنها «تتاجر» بهذه القضية العربية أو تلك أو تستخدمها أوراقا للضغط للحصول على مكافأة الاعتراف بها كقوة نووية كما يروج آخرون، لكانت الصفقة مع الأميركيين أسهل مما تتصورون.

لكن إيران تملك عقيدة سياسية نابعة عن عقيدتها الدينية لا مجال للتراجع عنها ألا وهي أنها منذ عودتها إلى ذاتها وتحولها إلى جمهورية إسلامية أصبحت جزءا لا يتجزأ من استراتيجية النضال العربي ضد الصهيونية وأسيادها، وبذلك أصبحت هموم العرب واهتماماتهم جزءاً لا يتجزأ من هموم الأمن القومي الإيراني، أيا كان شكل هذا النظام العربي أو ذاك، ملكيا أم جمهوريا ديمقراطيا أم وراثيا... المهم أنه عربي.

في العقود الثلاثة الماضية حاول الكثيرون من أتباع نظريات واستراتيجيات الأمن القطري أولاً إخراج إيران من العرب، وإبعادها عن فلسطين، وباءت كل خططهم بالفشل، وخلال الشهور الستة الماضية، وأيا كان شكل التعقيدات التي أخذها مسار الفتنة الإيرانية الداخلية فإن الهدف النهائي كان إخراج فلسطين من العقيدة الإيرانية وفشلوا أيضا ولله الحمد.

ألم يئن الأوان للعرب أن يلتقطوا فرائض الحلال من الحرام في التعامل مع إيران دفاعا عن مصالح العرب أنفسهم قبل مصالح إيران؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة