عراق ما بعد المالكي وعلاوي 


نشر في 29-03-2010
آخر تحديث 29-03-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني عندما تكون المرحلة أكبر من الحدث نفسه، يصبح الحدث مهما كان كبيراً ومهمّاً لصانعيه ما هو إلا تفصيل صغير يندرج في سيناريو أهم وأكبر ألا وهو رسم ملامح المرحلة الآتية.

هذه هي حال الانتخابات البرلمانية العراقية المتنازع على نتائجها اليوم بين أطراف ما بات يعرف «بالعملية السياسية»، في عراق ينازع بين عصر الاحتلال الأميركي المباشر، وعراق ما بعد الانسحاب الأميركي المفترض.

فسواء أثبت إياد علاوي أنه هو من ربح هذه الانتخابات «عن جدارة» أو بسبب الدعم اللامحدود من جانب قوى خارجية لا تكن للعراق خيراً، أو بسبب إدارة الظهر من قبل قوى إقليمية لنوري المالكي الذي تتهمه عن حق أو باطل بسوء إدارة يكاد يجمع عليها العراقيون، أو أثبت الحاكم الفعلي أنه هو الأجدر بربحها، لأنه المالك لرقاب الناس، فقط لأنه ليس من الماضي العراقي القلق في مواطنته وفي أمنه واستقراره حتى لو انتشر الفساد في بره وبحره، وفاحت رائحته في الجهات العراقية الأربع، فإن ما هو آت ومقبل على العراقيين أهم بكثير من نتائج انتخابات برلمانه العتيد.

فالعراق الذي يريد المالكي الاحتفاظ به أو يطالب علاوي بتسلمه منه، أو يجهد آخرون لانتزاعه من كليهما، إنما هو عراق ما بعد انسحاب مفترض للقوات الأميركية الغازية، وهذا هو بيت القصيد في كل ما نسمعه الآن من مشاحنات أو سنسمعه من الآن فصاعدا.

ولما كان كلا الطرفين المتنازعين حاليا على نتائج الانتخابات عمودا من أعمدة المراهنين على النفوذ الأميركي، وتوابعهما الإقليميين أو الداخليين، فيما يرى عموم العراقيين أن ما هو مطلوب اليوم هو محاربة النفوذ الأميركي الذي سيتبقى بالدرجة الأولى، ومنع الإدارة الأميركية من النجاح في إدارة مسرحية الصراع على نتائج الانتخابات من أجل تكريس نفوذها المستقبلي، سواء خرجت كما هو الاتفاق أو بقيت متذرعة بذلك النزاع أو بغيره من الذرائع، فإن ثمة من يعتقد بقوة أن طرفي النزاع قد خسرا معركة الحكم، وباتا في حكم الورقة المحروقة والخاسرة جماهيريا.

لقد كُتب الكثير وقيل الأكثر عن الصراع المحتدم بين المشروعين الأميركي والإيراني وأثرهما في العراق، وها قد حانت ساعة اللحظة الحاسمة بنظر المتابعين لأن يظهر كل طرف قوة نفوذه وحذاقة إدارته للعبة الحكم في العراق، ويترجم مدى حجم تأثيره في اللاعبين الأساسيين فيه.

وإذا كان صحيحا بأن صناديق الاقتراع لم تخرج قوى جديدة على الساحة العراقية، بل هي أعادت فرز ما كان موجودا أصلا في اللعبة السياسية، إلا أن أشياء ما جديدة قد حدثت، قد تساعد على إعادة خلط الأوراق، باتجاه لا يرضي الأميركيين كثيرا فضلا عن احتمال أن يشكل مفاجأة للفريقين المتنازعين على صحة نتائج الانتخابات، وهذه الأشياء قد تلخص بالآتي:

أولا: لقد ظهر التيار الصدري لأول مرة بكتلة انتخابية محكمة ومنسجمة وقوية وصافية تقدر بنحو أربعين مقعدا.

ثانيا: إن التيار الشيعي المنتسب للمجلس الأعلى المعروف، ومهما كتب عنه أو قيل من قبل، يظهر اليوم ولأول مرة بزعامة شابة تحرص على التأكيد بأنها غير مسؤولة عن العهود السابقة أو تركتها.

ثالثا: إن الوضع الإقليمي الجديد الناشئ على خلفية توافق إيراني سوري تركي مجدد– لأن له سابقة أيام العهد العراقي البائد- بشأن المسألة الكردية على الأقل، يجعل من الأكراد العراقيين أضعف اللاعبين العراقيين الداخليين رغم علاقاتهم الوطيدة مع حلفائهم الأميركيين.

وهنا ثمة من يعتقد أن الإيرانيين سيسارعون خلال الأيام القادمة إلى لعب هذه الأوراق مجتمعة باتجاه خلق معادلة جديدة، وهناك من يعتقد بقوة أن الصدريين وجلال الطالباني وعمار الحكيم كما يبدو هم من سيكونون الأوراق الرابحة.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني 

back to top