عقلية التزييف
أول العمود: هل من مسؤول في الدولة يستطيع أن يصف مستقبلنا بعد 50 سنة من الآن؟! يقلقني هذا السؤال.***
في أكثر المشاكل التي تعانيها الكويت نجد أن نمط التفكير باتجاه الحل لا يتجه مباشرة إلى المتسببين الحقيقيين فيها سواء أكانوا موظفين غير أكفاء أم نتيجة تقادم أنظمة قانونية أم تراخيا في تطبيق أنظمة فاعلة. وفي ظني أن سمة التزييف هي التي تلف أكثر القضايا خطورة على الأمن بمفهوميه العام والاجتماعي، وتعريفي للتزييف هنا في تسمية الأمور بغير مسمياتها... سأضرب أمثلة:تعاطي أجهزة الأمن مع المتهمين بـ«تصنيع الخمور وممارسة الرذيلة» ينتهي بالقبض عليهم واتخاذهم فرجة من خلال الصحف، لكن لم نسمع أن أودع كفيل كويتي في السجن لأنه أتى بعمالة زائدة وسلمها للشارع، ومع ذلك ننفي الاتجار بالبشر. الاستعانة بدراسة توني بلير لانتشال البلد من التخبط، وقبله د. عصام البشير الذي ترأس مركز الوسطية الذي جيء به من السودان لمعالجة تطرف أبنائنا يؤكد مدى التفافنا على الحقائق وعدم رغبتنا في المواجهة، فتوني بلير لم يأتنا بجديد كما اعترف، ولا د. البشير كشف سر تطرف الشباب في مجتمع الوفرة المادية... فبلير يقول بفساد التعليم لكن وزراء التربية ينفون ذلك، أما التطرف الديني فيقال إنه بعيد عن مناهج التعليم ولا تثار مسألة تراخي السلطة عن ممارسات التيار الديني في كثير من القضايا وأبرزها في تدخلهم في اختيار شكل الحياة التي يريدها الناس لأنفسهم، البشير بالطبع لا يقوى على قول ذلك وهو معذور. أن نختلف على قضية قدرة مدير الجامعة على إدارة شؤونها بسبب وضعه الصحي ويتحول الموضوع ويختزل إلى موضوع شخصي فهذا هو الزيف الذي نعيشه يوميا... والجامعة في أي بلد ليست مثل أي مؤسسة أخرى، فهي تتأثر سلبا بالمجاملات والمحاباة وتكون النتيجة إصابة التطور الأكاديمي بمقتل. أن نتحدث عن خطة تنمية بقيمة 37 مليار دينار دون معالم واضحة لإدارتها والمحاسبة عليها فذلك ينفي عنها صفة التنمية، وإن كانت المسألة زيادة عدد المستشفيات وتطوير الطرق والموانئ فهذا جيد، لكن ما صلة التنمية بأبنية ومنشآت كان يجب أن تكون تحصيل حاصل منذ عشرين سنة فائتة (المستشفيات وتوقف زيادتها منذ الثمانينيات كمثال)؟التغاضي عن محاسبة مسؤولي الدولة عن الإخلال بواجباتهم الأساسية، واتهام المقاولين الأجانب بالغش في مشاريع ضخمة ومكلفة جانب آخر من جوانب التزييف (انهيار محطة التنقية وتوقف عمل الهواتف الأرضية في منطقة مشرف، وتعطل نظام الميكنة الخاص بإدارات العمالة الوافدة التابعة لوزارة العمل... وغيرها من الأمثلة دليل على ذلك).ومن دون الاستفاضة بأمثلة أخرى، نلخص الأمر بمقارنة نمط تفكيرنا تجاه قضايانا وما هو سائد في المجتمع الأميركي مثلا حيث نرسل آلافا من أبنائنا للدراسة هناك، فكلا المجتمعين يعاني المشاكل، لكن الفرق هو في ثنائية (المواجهة أو الالتفاف). لنفترض أن الغزو العراقي أصاب أميركا وليس الكويت، فهل ستكون النتيجة اكتفاء الساسة الأميركيين بلجنة تقصي حقائق تنتهي دون أي إجراء؟! ولنفترض لو أن البدون يعيشون في أميركا فهل كانت الحكومة هناك تتركهم وتتعامل معهم كما هو حاصل عندنا؟ الاجابة حتما ستكون بالنفي لأن المنطق يقول بضرورة تعليمهم وتوظيفهم لخدمة الدولة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة