الأفلام الجيِّدة وحدها لا تكفي!

نشر في 22-03-2010
آخر تحديث 22-03-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين يتساءل محبو السينما المصرية والغيورون عليها: لماذا تقدمت السينما في البلدان الأخرى وانتشرت في العالم وحازت جوائز في المهرجانات، فيما لا يتخطى الفيلم المصري حدود البلدان العربية في عرضه وانتشاره؟

أثير هذا التساؤل بعدما نظم المركز القومي للثقافة السينمائية، وسط القاهرة، برنامجاً على مدى شهر، تضمن نماذج مميزة من السينما الإيرانية قوبلت بالاحتفاء والجوائز في المهرجانات العالمية. السؤال نفسه أثير مع عرض الفيلم الهندي {اسمي خان} في الصالات المصرية، بعدما امتنعت القاهرة فترة طويلة عن عرض الأفلام الهندية، وأبدى النقاد والمثقفون ومتذوقو الأفلام والجمهور إعجابهم بهذا الفيلم الذي لفت الأنظار في مهرجان برلين السينمائي الأخير ولقي الاحترام.

لا يقارن أصحاب هذه التساؤلات بين السينما المصرية والسينما في أميركا وأوروبا، أي في البلدان المتقدمة، إنما بينها وبين السينما في ما يعرف بـ {العالم النامي} أو {الثالث}.

لم تتقدم السينما الهندية على السينما المصرية في سابق عهدها، ولم تكن هذه حال السينما الإيرانية والسينما في القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا، أميركا اللاتينية)، بل كانت السينما المصرية رأساً برأس مع السينما في هذه الدول ومتقدمة على معظمها!

لكن الوضع لم يبق كذلك، لماذا؟

من المستقرّ، حتى في دراسات ودوريات متخصصة عالمية، أن السينما المصرية إحدى أكبر عشر سينمات في العالم (إلى جانب الأميركية، الروسية، الإيطالية إلخ)، بحكم وجود صناعة كبيرة للسينما فيها منذ وقت مبكر، وتعتبر من البلدان القليلة في العالم التي عرفت السينما، عرضاً ثم صناعة وإنتاجاً، مع بدايات السينما وعروضها الأولى في العالم!

قبل أن نجتهد في الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من أن نقرّ بأن السينما المصرية لا تخلو من إنتاج أفلام جيدة سنوياً، لكن هل الأفلام الجيدة وحدها تكفي؟

لا تشكّل الأفلام الجيدة، التي ترى النور بين الحين والآخر، ما يمكن أن نطلق عليه {حالة} سينمائية أو {نهضة} سينمائية. بينما مثل هذه {الحالة} أو {النهضة} متوافر في الهند وإيران والصين اليوم على سبيل المثال. من جهة أخرى، لا يتيح وجود الحالة أو النهضة ظهور أفلام جيدة بين الحين والآخر فحسب، إنما يساهم في إنتاج أفلام جيدة كثيرة بصورة منتظمة ومتوقعة، وظهور أُخرى تتجاوز {الجيد} إلى {الجيد جدا} و{الممتاز}، وتتعدى ذلك إلى الأفلام {الكبيرة}، بل إلى الروائع والتحف الفنية، أي أعلى مستويات الفيلم والفن. وهذه المستويات هي ما نفتقده بوضوح في السينما المصرية المعاصرة إلا في ما ندر، والسبب افتقارنا إلى {حالة} و{نهضة} سينمائية، فهي وحدها، بمناخها الإيجابي الصحي المثمر، قد تسفر عن تقديم الممتاز و{الكبير} والروائع والتحف من الأفلام.

هذا الموضوع بالذات يستحقّ البحث في السينما المصرية، بل هو الموضوع الحقيقي فيها بألف ولام التعريف، ولا توجد قضية أخرى يجب أن تكون لها الأولوية.

نكتفي موقتاً، بأن نشير إلى أنه لا ينقص السينما المصرية كفاءات وكوادر ممتازة في معظم مجالات الفيلم السينمائي، جديرة بأن تحقق نهضة سينمائية حقيقية.

إذاً فماذا ينقص؟

نظام الإنتاج الصحيح، الذي يجب أن يفرض نفسه بمؤسساته وقوانينه، ويضطلع بدور حقيقي ومنتظم لدعم الدولة للمنتج السينمائي، ويضع حداً للعشوائية التي تحلّ مكان المؤسسات والقوانين اليوم وسيادة المصالح الصغيرة على القوانين الصحيحة، وفوضى الإنتاج والتوزيع والصراعات الضيقة الأفق.

تحتاج الصناعة السينمائية في مصر إلى ولادة جديدة وقوة دفع، وتصور ومشروع مغاير، لإرساء دعائم نهضة سينمائية بمعنى الكلمة تماثل ما لدى غيرنا من الدول.

back to top