مَن يقرأ مشروع قانون هيئة أسواق المال سيكتشف أنه يقرأ، دفعة واحدة، حزمةً من القوانين والتشريعات التي كان يجدر أن تصدر متوازية، ولكن مستقلة بعضها عن بعض، وذلك لضمان خصوصية كل منها والوضوح في حدود أحكامها والاتساق في محتوى موضوعاتها.
ونظراً إلى أهمية هيئة أسواق المال التي طال انتظار قانونها كان من الأجدر أن يفرد لها المشرّع قانونا مستقلا خاصا بها لا أن تتداخل أحكامه وفصوله ومواده مع أحكام وفصول ومواد غيره من القوانين والموضوعات، مثل تنظيم نشاط إصدار وتداول الأوراق المالية أو تنظيم عمل المقاصة أو الوسطاء الماليين أو تنظيم عملية انضواء سوق الكويت للأوراق المالية تحت مظلة قانون إنشاء هيئة أسواق المال.لقد تضمن مشروع القانون المعروض على مجلس الأمة، للبت بشأنه في دور الانعقاد الحالي 165 مادة موزعة على ثلاثة عشر فصلا، لم يتصل منها، على نحو قاطع الوضوح والخصوصية بشؤون ووظائف هيئة أسواق المال سوى فصل واحد هو الفصل الثاني، أما بقية الفصول فقد توزَّعت، بل وتبعثرت مهام واختصاصات أخرى للهيئة على عدد محدود من موادها، وبين بعض سطورها على نحو أضعف الدور التنظيمي والرقابي للهيئة التي تُعلّق على قيامها آمال وطموحات عريضة.إن الطبيعة القضائية 'إن جاز التعبير' لهيئة سوق المال تقتضي أن تأتي النصوص المتعلقة بأهدافها ومهامها واختصاصاتها واضحة وقطعية، فلا يجوز مثلا أن يتم، في أهداف الهيئة (المادة 3)، إغفال الدور الرقابي المحوري المنوط بها، وحصر دورها في تنظيم نشاط الأوراق المالية دون تأكيد دورها الأساسي وهو 'الرقابة على أسواق المال'.كما تتطلب الصياغة المحكمة أن تكون اختصاصات ووظائف الهيئة المدرجة في المادة (4) من صميم عمل الهيئة لا مجلس مفوضيها، الذي لم ترد الإشارة اليه إلا بدءاً من المادة (6)، كما يفترض أن تلحق بهذه الاختصاصات والمهام كل الوظائف الواردة في المادة (5) لأنها جزء لا يتجزأ من اختصاصات الهيئة. ويتبع ذلك بالضرورة جملة المهام المبعثرة في الفصول اللاحقة.وتقتضي الطبيعة الرقابية والمهام 'القضائية' و'التأديبية' و'الأحكام' التي تتخذها الهيئة أن يرأس مجلس مفوضيها قاضٍ يسميه المجلس الأعلى للقضاء، لا أن يرشحه رئيس مجلس الوزراء، إذا لم نذهب إلى القول إن كل أعضاء مجلس مفوضي الهيئة أو نصفهم على الأقل ينبغي أن يكونوا من بين أعضاء السلك القضائي.ولعل استقلالية الهيئة تتطلب أيضا أن تتحقق لها مستقبلاً القدرة على التمويل الذاتي لأنشطتها، ويتطلب هذا الأمر التصريح لها بالاستثمار والمتاجرة بالسندات الحكومية الممتازة داخل البلاد وخارجها، ليضاف عائدها إلى مقابل رسومها وخدماتها، فضلا عما أراه من أحقيتها في حصةٍ تعادل (0.25 في المئة) أي ربع في المئة أو نحو ذلك من صافي دخل الشركات المدرجة في أسواق المال الخاضعة لإشرافها.ولقد توقفت في هذا السياق عند بندين متناقضين في مشروع القانون لم أتمكن من التوفيق بينهما، الأول هو البند الخامس من المادة (5) الذي منح الهيئة حق 'شراء وحيازة والتصرف في الممتلكات أيا كان وصفها والقيام بكافة أشكال التصرفات القانونية' هكذا نصه، والثاني هو نص المادة (24) الذي حظر على الهيئة 'القيام بأي عمل تجاري'!هذا غيض من فيض، ولنا عودة إلى 'مشروع القانون' أو لنقُل 'مشروع قوانين هيئة أسواق المال'.
مقالات
وجهة نظر : مشروع قانون ام قوانين هيئة اسواق المال ؟
01-11-2009