عندما نمرض ونحتاج إلى عملية جراحية، فإننا نأتمن الجراح على أجسادنا، وعندما نقود السيارة فإننا نعبر فوق الجسر بثقة، وعندما نسافر فإننا نحلق في السماء ونسلم أمرنا للطيار، وفي المنزل نمضي أوقاتنا براحة بين حوائط وتحت أسقف خرسانية مسلحة. ولكن ما الذي يجعلنا نطمئن إلى إن مشرط الجراح لن يقطع شرياناً حيوياً ويسبب نزيفاً قاتلاً؟ ولماذا نطمئن إلى أن الجسر لن يسقط فينا؟ وما الذي ينسينا رهبة التحليق وهاجس السقوط من ثلاثين ألف قدم بينما نمضي وقتنا بالتشوق إلى الوصول لوجهتنا؟ وما الذي يجعلنا نخلد إلى النوم في المنزل دون قلق من سقوط تلك الحوائط والأسقف الثقيلة علينا؟ الجراح ومهندس الجسر والطيار والمعماري غرباء لا تربطنا بهم أي علاقة أو معرفة سابقة، فما الذي يجعلنا نثق بغرباء ونطمئن إلى عملهم؟

Ad

ثقتنا هي إيمان بأن شهاداتهم وخبراتهم تؤهلهم للقيام بعملهم، ولكن كيف نطمئن إلى ذلك بينما لا نعرف شيئاً عن تاريخهم العلمي والعملي؟ الإجابة هي أننا لدينا إيمان بأن جهة ما، كوزارة التعليم العالي ومؤسسات الاعتماد الأكاديمي والعملي، قد قامت بواجبها في التدقيق. إذن المسألة قائمة على حسن النية والإيمان والثقة.

إن قرار وزارة التعليم العالي الأسبوع الماضي بوقف الاعتراف بالجامعات الهابطة في بعض الدول، وقبله ملاحقة إدارة المباحث لمتهمين بتزوير الشهادات، جاء متأخراً، ولكنه مستحق، فلم يعد يربطنا بمعايير الأمانة العلمية والكفاءة العملية سوى خيط رفيع بعد أن أصبح لحملة الشهادات الرخيصة تجمع يضغط لفرض تعيينهم كأساتذة جامعيين، وتبنى مطلبهم بعض أعضاء مجلس الأمة السابق، بل إن رئيس الوزراء قام باستقبال عضو في لجنة تعليمية سابقة في مجلس الأمة مشكوك في شهادته العلمية.

نعم، للقرار كلفة سياسية على متخذيه، ولكنه الدواء الوحيد في قضية لا تحتمل اللون الرمادي، فإما أن يثق الناس بأن أرواحهم بأيد أمينة، وإما أن يفقدوا الثقة. وفي هذا الصدد، مؤسف أن نقرأ مطالبة وكيلة وزارة التعليم العالي د. رشا الصباح بإعادة القضية إلى لجان الوزارة، معللة ذلك بالأبعاد السياسية والاجتماعية للقرار والاعتصامات التي من الطبيعي أن يقودها المتضررون منه، وهو تعليل يفتح باب المساومة. كما يوحي تصريح الوكيلة بأن القرار سياسي، بينما الحقيقة هي أنه بني على تقييم الوفود الأكاديمية التي قامت بزيارة تلك الجامعات والتدقيق فيها، ولو كانت لجان الوزارة قائمة بواجبها المطلوب لما تحولت القضية إلى ظاهرة عامة اضطرت مجلس الوزراء إلى التدخل وإرسال تلك الوفود.

أخيراً، إن التغيير الذي حصل في اللجنة التعليمية بدخول النائبتين د. أسيل العوضي ود. سلوى الجسار وترؤس النائب د. حسن جوهر لها يبعث التفاؤل، خصوصاً أن النائب جوهر قاد الحملة ضد الدكاكين التعليمية. كما يستحق مجلس الوزراء الإشادة لدعمه القرار، وأتمنى ألا يسجل أول تراجعاته مع تزايد ضغط المتضررين منه. إذ يكفي السكوت طوال السنوات الماضية عن تخريج جزارين يعبثون بأرواح الناس تحت مسميات طبيب ومهندس وطيار ومعماري.

Dessert

قبل أن تتعامل مع طبيب أو مهندس، اسأل عن شهادته ثم راجع قائمة الجامعات الموقوفة المنشورة بتاريخ 29 مايو 2009، فقد يكون أي منهم أحد هؤلاء الجزارين.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء