في مؤتمر عُقِد مؤخراً في جامعة ستانفورد الأميركية تحت عنوان «الإصلاح السياسي في العالم العربي: الإشكاليات والاحتمالات» اتضح للباحثين أن قرابة ثلاثة أرباع الدول الإسلامية تعيش تحت حكومات منتخبَة، أما الربع المتبقي من تلك الدول فقد اتضح أن غالبية البشر الذين يعيشون فيه هم في الدول العربية، ولذلك استحق ذلك الربع العربي صفة الربع الخالي عن اقتدار وعن جدارة.

Ad

و»الربع الخالي» كمنطقة معروف عنها قسوة الحياة، ورياحها العاصفة، وصعوبة العيش فيها. والحال كذلك مع حكوماتنا العربية، وعلاقتها بالديمقراطية علاقة لا التقاء فيها، الحريات فيها تعاني من جدب قاحل، وهيمنة أجهزة الأمن على مقدرات الأمور ظاهرة لا لبس فيها.

بل إن المنطقة العربية تتجدد دوماً في ابتكار أساليب القمع والكبت في سبيل الحفاظ على هيبة الدولة. وعندما هبَّت رياح التغيير مع بداية التسعينيات، وجدنا ذات الأنظمة تتحول مصطلحاتها وخطابها إلى ذات الخطاب الدولي، فهم مع حقوق الإنسان شكلياً، ومع الحفاظ على كل أجهزة القمع والكبت واقعياً.

أما القانون فهو قانون كما جاء في حكاية ذلك الأعرابي الشهيرة؛ إذ يحكى أن أعرابياً لجأ إلى المدينة لمتابعة قضية له في محكمة المدينة، وكان يزورها لأول مرة، وحيث إنه وصلها ليلاً فقد أخذه أحد أقاربه إلى أحد المقاهي، فأعجبته الموسيقى التي كان يعزفها أحدهم على آلة القانون. وعندما جاء الصباح ذهب إلى المحكمة فسمع المحامين يطالبون القاضي بتطبيق القانون، ويجيبهم القاضي بأنه لن يطبق إلا القانون. وعندما صدر الحكم الذي كان ضده بالطبع، قال مقولته الشهيرة «عجبت لأمر هذا القانون، يحكمون به بالنهار ويعزفون عليه بالليل».

الربع الخالي من أي احترام للإنسان وكرامته، لم يعد منطقة جغرافية قاحلة، بل حالة ذهنية سائدة في عالمنا العربي، لا يبدو أن الفكاك منها قريب، بل نحن موعودون بالمزيد، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهو كلام صحيح على إطلاقه، خاصة عندما تكون هذه المعركة موجهة ضد الشعب والإنسان وكرامته، وهي معركة يسود فيها التخلف السياسي، وقمع الحريات، وصور كثيرة منثورة في كل مكان، بها ابتسامات كثيرة، وهيبة مصطنعة، وطابور طوييييييييل من الخانعين وحارقي البخور، وضاربي الودع.

انتهى المؤتمر إلى بعض الرؤى في كيفية الإصلاح، والتي قد نتطرق إليها لاحقاً لأهميتها، أما ما أتعب المؤتمرين فكان نهج التفكير الخاص بالإصرار على البقاء ذهنياً في حدود الربع الخالي و»سماكة» الأسوار المحيطة به وكيف نجحت أمم في أواخر القرن العشرين في الخروج من ربعها الخالي ومازلنا نحن في ذات المكان، عواصف، ورياح عاتية، وتخلف، ولكن عزاءنا أن هيبة الدولة مازالت في مكانها محفوظة.