باكستان واقتصاد الخطر الأخلاقي

نشر في 29-07-2010
آخر تحديث 29-07-2010 | 00:01
يتعين على الجهات الأجنبية المانحة أن تصر على إصلاح باكستان لاقتصادها حتى تتمكن من الإفلات من الخطر الأخلاقي المتمثل في استمرارها في الاعتماد على تدفقات المعونة.
 بروجيكت سنديكيت كانت زيارة هيلاري كلينتون إلى إسلام آباد التي اختتمتها قريبا- لحضور الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي الذي بدأته هي ونظيرها الباكستاني شاه محمود قرشي في واشنطن في وقت سابق من هذا العام- سبباً في شعور مضيفيها ببعض الارتياح، فقد وعدت الولايات المتحدة بتقديم 500 مليون دولار لتمويل عدد من المشاريع التي تتمتع بشعبية كبيرة في باكستان، ومن المفترض أن يشكل هذا المبلغ جزءاً من 1.5 مليار دولار مخصصة لباكستان بموجب التشريع الذي وقع عليه الرئيس باراك أوباما في العام الماضي.

في اليوم السابق لوصول هيلاري كلينتون إلى إسلام باد، التقى أعضاء مجموعة أصدقاء باكستان الديمقراطية هناك، وكان اجتماع سابق للمجموعة قد تم تحت رئاسة أوباما على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في العام الماضي، كما حضر ذلك الاجتماع وزير خارجية بريطانيا، غوردون براون آنذاك، ورئيس البنك الدولي، ورئيس صندوق النقد الدولي، ووزراء من حكومات عدد من البلدان.

 وفي اجتماع إسلام اباد وافقت مجموعة أصدقاء باكستان الديمقراطية على تمويل برنامج تنمية الطاقة في باكستان، وطالبت الباكستانيين بتقديم اقتراحاتهم بشأن تنمية وتطوير قطاعات أخرى تشكل أهمية حيوية بالنسبة للاقتصاد.

وقبل ذلك ببضعة أيام قام الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بزيارته الخامسة إلى بكين منذ توليه مهام منصبه في أغسطس من عام 2008 - وكانت هذه زيارة دولة- حيث تلقى تعهدات بدعم تطوير الطاقة النووية وإنشاء خط للسكك الحديدية عبر سلسلة جبال كاراكورام للربط بين البلدين، وهذا من شأنه أن ييسر وصول مناطق غرب الصين إلى البحر، عبر ميناء جوادار الباكستاني.

والواقع أن هذه الوعود والتعهدات تسلط الضوء على اعتماد إسلام آباد بشكل متزايد على المساعدات الخارجية، وهو ليس بالأمر المستغرب، خصوصاً إذا علمنا أن نسبة العائدات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في باكستان انحدرت إلى أقل من 9%، وهي النسبة الأدنى بين أضخم 22 قوة اقتصادية ناشئة على مستوى العالم. كما تشير أيضاً إلى استمرار توجه يتسم بفرط التعرض للمخاطر الأخلاقية في التعامل مع الإدارة الاقتصادية، ويعمل ذلك التوجه على ضمان الحصول على المساعدات الخارجية كلما دفع البلد بنفسه إلى حافة الهاوية.

واليوم أصبحت باكستان صاحبة أسوأ أداء على المستوى الاقتصادي في آسيا، فمعدل نمو ناتجها المحلي الإجمالي الذي بلغ 3% هو في واقع الأمر نصف نظيره في بنغلاديش وثلث نظيره في الهند، وعلى الرغم من وجود فرصة جيدة لنجاح تدفقات الأموال الأجنبية الأخيرة في إعانة البلاد على الخروج من أزمتها الاقتصادية الطاحنة فإن مجرد تحقيق هذا يعني أن التاريخ يكرر نفسه. فمن المعروف أن باكستان تؤدي على نحو طيب حين تتلقى تدفقات ضخمة من المساعدات الأجنبية، كما حدث في ستينيات القرن العشرين أثناء ولاية الرئيس أيوب خان، أو في الثمانينيات أثناء إدارة الجنرال ضياء الحق للبلاد، أو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حين كان زمام السلطة بين يدي الجنرال برويز مشرف.

وأثناء فترات الحكم العسكري الثلاث، كانت البلاد قادرة على مواءمة نفسها بسرعة مع الولايات المتحدة، ففي الستينيات كانت أميركا تريد من باكستان أن تساندها في إطار محاولاتها الرامية إلى احتواء انتشار الشيوعية في آسيا، وفي الثمانينيات كانت الولايات المتحدة تريد من باكستان أن تساعدها في إرغام الاتحاد السوفييتي على الخروج من أفغانستان. وبعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت الولايات المتحدة تريد من باكستان أن تساعدها في إسقاط حكم طالبان في أفغانستان.

والآن، وللمرة الأولى، تقدم الولايات المتحدة كميات ضخمة من المساعدات لحكومة ديمقراطية، ولكن هل تساعد هذه العلاقة باكستان في الخروج من الورطة الاقتصادية التي ألمت بها طيلة نصف قرن من الزمان؟

ولضمان عدم توقف الأداء الاقتصادي على القدر المتاح من المساعدات الأجنبية فيتعين على باكستان أن تتعهد بتنفيذ بعض الإصلاحات البنيوية الأساسية، وإذا تمت هذه الإصلاحات الاقتصادية تحت إشراف حكومة ديمقراطية تمثيلية، فمن المؤكد أنها ستحظى باحتمالات أفضل في النجاح والاستمرار، ومن ناحية أخرى، لا يوجد ضمان للحفاظ على استمرارية السياسات السليمة إذا انتقلت السلطة مرة أخرى لحاكم عسكري.

إن الحكومات الأجنبية المشاركة لباكستان الآن لابد أن تشجع قادتها على المضي قدماً على جبهتين على الأقل: التجارة وتحسين العلاقات مع الهند.

عندما استقلت باكستان قبل أكثر من ستين عاما، كانت نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي أكبر مما هي عليه الآن، وكان ذلك يرجع جزئياً إلى التجارة مع الهند. بيد أن ذلك توقف بصورة فجائية في عام 1949، نتيجة لاندلاع أولى الحروب التجارية العديدة التي خاضها كل من البلدين ضد الآخر.

فقبل عام 1949 كانت الهند تستوعب ما يقرب من 60% من صادرات باكستان، كما كانت مسؤولة عن تزويدها بنحو 70% من وارداتها. واليوم تشارك الهند في أقل من 5% من إجمالي التجارة الباكستانية.

وهذا يتعارض مع ما كنا نتوقعه بموجب ما يطلق عليه نموذج الجاذبية في التجارة، والذي يستند إلى حجم الشريك التجاري ومدى قُربه. وطبقاً لهذا النموذج فإن الصين أو الهند، وليس الولايات المتحدة، لابد أن تكون الشريك التجاري الأضخم لباكستان، وهذا يعني أن باكستان لا ينبغي لها أن تكرس قدراً كبيراً من طاقتها لتحسين قدرتها على الوصول إلى سوق المنسوجات في الولايات المتحدة، كما تفعل الآن. بل نظراً للمنافسة من جانب البلدان ذات الأجور المتدنية مثل بنغلاديش وكمبوديا، فيتعين على باكستان أن تتخلى عن تركيزها على المنسوجات بالكامل وأن تعمل على إنفاق المزيد من الجهد على تطوير وتنمية صناعاتها القائمة على تقنيات المعرفة الحديثة.

ويشكل الحكم مجالاً آخر من مجالات تركيز الجهات المانحة في حوارها مع باكستان، ليس فقط الحد من الفساد والسيطرة عليه، بل أيضاً التقريب بين عملية صناعة القرار والناس. فقد عملت الفترات الطويلة من الحكم العسكري، بما اشتملت عليه من التأكيد على القيادة والسيطرة، على تحويل صنع القرار السياسي في باكستان إلى عملية بالغة المركزية. ومن الأهمية بمكان في هذا السياق أن تكتسب الأقاليم المزيد من السلطات والصلاحيات.

ولقد اتخذت الحكومة الديمقراطية الحالية خطوة في هذا الاتجاه من خلال تعديل الدستور الباكستاني، ويتعين على "أصدقاء" البلاد أن يشجعوا هذا الجهد، ربما عن طريق المطالبة بإعطاء أقاليم البلاد صوتاً قوياً في حوارها مع حكومة زرداري.

ويتعين على الجهات الأجنبية المانحة أن تصر على إصلاح باكستان لاقتصادها حتى تتمكن من الإفلات من الخطر الأخلاقي المتمثل في استمرارها في الاعتماد على تدفقات المعونة. ولكن تحقيق هذه الغاية سوف يكون أكثر ترجيحاً إذا ازدهرت الديمقراطية في مختلف أنحاء البلاد.

* شاهد جاويد بركي | Shahid Javed Burki ، وزير مالية باكستان الأسبق، ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، وهو يشغل حالياً منصب رئيس معهد السياسات العامة في لاهور.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة".

back to top