لماذا لم تقدم الوزارة مشروعها لتعديل القانون إلا بعد ظهور حلقة الجويهل؟
لا يمكن تفسير المشروع الذي تقدمت به الحكومة ممثلة في وزارة الإعلام بتعديل قانون المرئي والمسموع سوى أنه يمثل خطوة للهروب من المسؤولية السياسية، التي ينوي مجلس الأمة تحريكها ضد وزير الإعلام الشيخ أحمد العبدالله، وإلا فمن يقرأ التصريحات التي أعلنها الوزير نقلا عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) لا يجد إلا أن تلك التعديلات تستهدف معالجة القضية الأساسية، وهي قضية التعامل مع وسائل الإعلام المسيئة للعمل الإعلامي المعروف.والذي يؤكد أن الهدف من وراء التعديل هو مراوغة سياسية يستخدمها الوزير أمران: أن مشروع التعديل لم يطرح إلا بعد أن ظهرت ردود الفعل النيابية الغاضبة من حلقة قناة السور المملوكة لمحمد الجويهل، على الرغم من أن طرح الجويهل لم يتغير منذ بروزه على الساحة الإعلامية وطرح نفسه كأحد الناشطين السياسيين، بينما الأمر الآخر الذي يؤكد مراوغة الوزير السياسية هو أن رد الوزير على مستجوبيه يبين أن الكرة الآن في ملعب المجلس، وأنا تقدمت بمشروع قانون لتعديل قانون المرئي والمسموع الذي يعد سبب الفوضى التي حدثت، وبالتالي وبما أن المجلس سيرفض هذا المشروع الملغوم والذي لن يحل مشكلة الانفلات الإعلامي المسيء، لذا فإن وزير الإعلام نجح بذلك من مراوغة المجلس بشكل سياسي سيكون المجلس هو سببه لأنه غير راغب في مساعدة الوزير في حل المشكلة عبر تعديل القانون والذي بإقراره ستحل المشكلة برأي الوزير ووزارته.مساحة الحريةوشخصيا أجد أن قانون المرئي والمسموع الصادر في 2007 لم يجد التطبيق الكامل لكل نصوصه، حتى يمكن الحديث عن وجود ضرورة لتعديل القانون، وإذا ما كانت هناك رغبة للتعديل فأرى أنه من المناسب تعديل القانون بشكل يسمح بإزالة "البلاوي" الواردة في القانون الحالي بما يزيد مساحة الحرية التي يفتقدها قانون المرئي والمسموع، والذي سبق أن أسميته بقانون المرئي والمسموع "الأعمى" وقبله قانون المطبوعات "الأعور" وكلا القانونين من صنيعة الحكومة لكنها أي الحكومة في 2006 لدى إقرار المطبوعات والنشر ممثلة حينها في وزيرها "الحر" كانت لديها الرغبة في سماع ما يردده الإعلاميون والصحافيون، ونجح الوزير حينها، أنس الرشيد، من الأخذ ببعض الملاحظات الصادرة من وسائل الإعلام لإيجاد مثل هذا القانون الذي أفلح من جانب في إيجاد التراخيص الإعلامية وإسناد أمر تنفيذ العقوبات الى القضاء وإضافة درجة التمييز الى القضاء، بينما كان القانون ظالما بحق الصحافيين بمقدار العقوبات الصادرة بحقهم بالنص على الحد الأدنى منها بالغرامة 3 آلاف والحد الأعلى 10 آلاف وعقوبات الغلق والمصادرة والحبس في القضايا الواردة في قانون أمن الدولة، كما كان القانون ظالما في عدم تمكين الصحف من الطعن على قرارات النائب العام أو الأمور المستعجلة لدى وقف الصحيفة، وأخيرا فتح باب التعويض المدني لمدة عام كامل بعدما كانت 3 أشهر كالحال في القضايا الجزائية، فضلا عن إهماله ومعالجته قضايا دعاوى الحسبة التي يعانيها العاملون في قضايا العمل الإعلامي فتجد أن "سين" من الناس لا ناقة له ولا جمل بما نشر يدعي بأنه هو المقصود، بينما قانون الجزاء يعتبر أن جرائم السب والقذف من جرائم الشكوى وبالتالي فهي مقررة لشخص واعتبار المجني عليه، كما أغفل قانون المطبوعات الأعور قضية الكتاب وحماية مؤلفاتهم الفكرية من التقاضي دون أن يرد نص خاص يحمي تلك المؤلفات.إلحاحوبعد تجربة المطبوعات والنشر"الجيدة شيئا" و"السيئة أيضا" جاء قانون المرئي والمسموع بإلحاح خاص من ملاك إحدى الفضائيات وهذا الإلحاح على ما يبدو هو ما جعل هذا القانون يصدر بهذه الطريقة السيئة فلا شبيه بقانون المطبوعات والنشر ولا هو تعامل مع الإعلام المرئي والمسموع كما ينبغي أن تتعامل التشريعات مع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وبرزت من بين كوارث هذا القانون رقابته المسبقة على المادة التي يراد بثها، ليس هذا فقط بل إشراكه معد البرنامج ومخرج البرنامج ومقدم البرنامج ومدير القناة كمتهمين في أي شكوى تقام ضد القناة، على الرغم من عدم تحمل كل هؤلاء أي مسؤولية، ومن يتعين أن يتحمل هما المقدم ومدير القناة، بينما الكارثة الثالثة التي تواجه قانون المرئي "الأعمى" هي مشكلة العقوبات والتي كحد أدنى خمسة آلاف وكحد أقصى 20 ألف دينار، وهي في حقيقة الأمر عقوبات لا ترد لا على البال ولا على الخاطر، وتشير إلى أن النصوص الموجودة حاليا هي التي تستدعي التعديل، وهو ما يمثل الآن فرصة ذهبية إذا ما أرادت الحكومة تعديل المشروع أن يتم وضع المشروع على طاولة التشريع وتعاد صياغته بسبب هذه المبالغة في العقوبات والتي تريد الوزارة في مشروعها السياسي أن تزيدها إلى حد "شنق الإعلامي" ولا أعلم سبب ذلك، سوى أنني بالإمكان تبرير ذلك برغبة الوزير في الهروب بأسلوب محترف من المسؤولية السياسية وبطريقة سياسية بحتة من المساءلة السياسية بدفعه مشروع الوزارة الذي بالتأكيد سيحظى بالرفض.قد تكون فرصة تعديل قانون المرئي والمسموع حاليا فرصة جيدة لكي تعمل اللجنة التعليمية على دراسة القانون نحو تخفيض العقوبات الواردة فيه، وهو ما يتعين ان يتقدم أحد النواب بالتعديل، مع إمكانية وضع دور أكبر للقاضي لكي يفعل سلطاته التقديرية في ما يخص العقوبات، لأن الأمر باختصار ليس كل ما يبث في وسائل الإعلام يمثل إساءة تتطلب معاقبة مرتكبها بالغرامة 5 آلاف دينار لكونها الحد الأدنى، ويتعين على القاضي إن أراد عقاب المذيع أو الضيف كون العبارات صدرت منه أن يعاقب كحد أدنى بتلك الغرامات المفرطة بحديها الأدنى والأعلى، فضلا عن مراجعة النصوص الخاصة بقطع مدة التقاضي والتي حددت في قانون المطبوعات بـ3 أشهر للتقاضي جزائيا وعام في القضايا المدنية، إلا أن قانون المرئي والمسموع خلا من النص على وضع هذه المدة الهامة والتي من دون النص عليها فإن القائمين على العمل الإعلامي سيكونون تحت رحمة المجني عليه، إن كان بالفعل مجنيا عليه باعتبار أن هناك "من يتصيد بالماء العكر" لمدة خمسة أعوام وهي المدة التي يضعها قانون الجزاء لانقضاء الادعاء بشكاوى الجنح بمرور خمس سنوات.تعديلاتأخيرا يتعين على مجلس الأمة العمل بشكل مضاد تجاه تعديلات الحكومة ممثلة في وزارة الإعلام والعمل على تعديل قانون المرئي والمسموع والمطبوعات والنشر لكي يتناسب مع الدستور الكويتي ومع مفهوم الدولة المدنية الذي تعيشه الكويت، واعتمده الدستور منهاجا لها، فالتعامل مع الإساءة التي تصدر من الفضائيات أو الصحف يكون برفع مقدار التعويضات المدنية من القضاء المدني بشكل يتناسب مع الخطأ الصادر وليس بشكل فيه مغالاة وإفراط، والتعامل مع الإعلام على أنه إحدى الحريات اللصيقة بالأفراد وليس أحد الأفعال العدائية والإجرامية، فضلا عن ضرورة إيجاد قضاء متخصص لنظر القضايا الإعلامية من مطبوعات ونشر ومرئي ومسموع، فلا يمكن لقضاء أن يفصل في قضايا جزائية بحتة ان ينظر في قضايا يكون الفرق بين الإباحة والجريمة فيها مقدار شعرة، وهو ما يتطلب البحث والفصل فيها من قضاة متخصصين يتمتعون بدرجة عالية من المهنية والخبرة، وما أكثرهم في القضاء الكويتي.
محليات
تعديلات «المطبوعات والمرئي» مراوغة سياسية... وهروب من الاستجواب!
24-01-2010