منذ فترة طويلة أسعى جاهدا، وبكل ما أوتيت من قوة للوصول إلى الأسباب الحقيقية التي تقف وراء القطيعة غير المبررة والجفاء المعلن بشكل لافت بين النشيد الوطني لهذا البلد العزيز وبعض أصحاب اللحى الذين يبدو أنهم أعلنوا حربا ضروسا على كل ما يمت للنشيد الوطني بِصِلة!

Ad

كي لا يساء فهمي، ويتم خلط الأمور من قبل البعض، وهي من عاداتنا المستحدثة ولا فخر، فأنا هنا لا أتحدث عن شخص معين، بقدر ما هو سلوك فردي بدأ يتحول إلى ظاهرة أخذت بالتنامي في الآونة الأخيرة، إذ لا يمكن لأي منصف أن ينكرها، خصوصا مع تزايد نفوذ بعض التيارات الإسلامية في السيطرة على مؤسسات الدولة، لكن ما دفعني لتناول هذه القضية "المهمة" هو وجودي- بحكم عملي- بمناسبتين كانتا برعاية وحضور شخصيات حكومية، الأولى افتتاح مركز "الحكومة مول" في محافظة الأحمدي، الذي حضره وزير المواصلات محمد البصيري، ومحافظ الأحمدي، وبعض أعضاء مجلسي الأمة والبلدي، فعند عزف النشيد الوطني وقف الجميع بكل فخر واعتزاز ما عدا الشخص الذي كان يجلس أمامي.

 وأقولها بكل صراحة "اشتغلت فيني" لأعرف سبب جلوسه بكل ثبات وتحدٍّ رغم اعتزاز ممثلي الحكومة والشعب بالوقوف للسلام الوطني، فجلست أراقبه بدقة متناهية، وأخذتني الأفكار يمينا وشمالا بحثا عن أسباب بقائه جالسا على كرسيه دون حراك، مرة كنت أتوقع أن يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة ويجب أن نعذره، وأخرى أقول إنه ربما يكون مريضا بـ"الديسك" الذي ابتلي به أصحاب الأوزان الزائدة، وفي الحالتين أوجدت له العذر، لكن بعد أن قام الوزير بجولة داخل المركز اتضح لي أنه يعاني فقط وجود "لحية" يبدو أنها لا تحب الموسيقى!

الحادثة الأخرى، كانت قبل أيام قليلة، وهي خلال الحفل الذي أقامته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بنماسبة وضع حجر الأساس لمبنى مشروع السلام بتبرع من الشيخة موضي الصباح، إذ قامت الوزارة بنسف السلام الوطني عن بكرة أبيه.

 فالحفل بدأ بكلمة ترحيبية وتلاوة من القرآن الكريم فقط، وهذا لا خلاف عليه، لكن أن يتم خطف السلام الوطني من قبل جهة حكومية يفترض أن تكون مثالا للجهات الأخرى، فهذا أمر غاية في الغرابة، خصوصا أن الوزارة تعمدت اختطاف السلام الوطني ونفيه إلى جهة غير معلومة، وكأن الحفل تحول بقدرة قادر إلى مناسبة خاصة يديرها بعض الأشخاص المنتمين إلى كوكب آخر، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال بريء: إذا كانت وزارة الأوقاف تجرؤ على إلغاء النشيد الوطني من بعض مناسباتها، فلماذا تشدّد على البدء به في مناسبات أخرى تكون برعاية سمو الأمير أو ولي العهد أو رئيس مجلس الوزراء؟!

إن كان يرى البعض أن الوقوف للسلام الوطني يعود إلى قناعات خاصة لكل فرد، بحجة أنه من المحرمات، فإن تلك القناعات يجب أن تحمل معيارا واحدا لا يختلف من مناسبة إلى أخرى، أو في بلد دون آخر، كما لا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر بعض "الملتحين" بأن السلام الوطني الكويتي ولله الحمد لا يوجد فيه "دنابك" أو "هبان" أو "طِيران"، لذا فمن الواجب احترام هذا الرمز الذي يعتبر الشيء الوحيد الذي يوحد أطياف الشعب ويجمعهم على أهداف وطنية واحدة، خصوصا بعد دخول تصنيفات وتقسيمات ومسميات لا آخر لها!

في الصميم:

بكاء لاعب منتخب كوريا الشمالية عند سماعه النشيد الوطني لبلاده في مباراتهم مع المنتخب البرازيلي في كأس العالم الحالية، حالة يجب الوقوف عندها طويلا والتأمل في أسبابها، نتمنى من الجميع مشاهدة المقطع، ونهديه إلى كل من يرفض الوقوف إلى النشيد الوطني لبلاده، ونأمل ألا يخرج إلينا أحدهم فيقول إنه غير مسلم ولا يجب الاقتداء بعمله، وإن كان من أجل بلده، لأن ذلك سيكون خسارة مضاعفة بعد هزيمة كوريا من البرازيل!