يتداول الناس أن أربعة، على الأقل، من أعضاء لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة التي صاغت مشروع القانون في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص "الخصخصة" لهم مصلحة مباشرة في إقرار هذا القانون بحكم أنهم يملكون حصصاً مؤثرة في الكثير من الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، والتي ستستفيد حتماً وبشكل مباشر من نقل ملكية المشروعات العامة إلى القطاع الخاص أي تصفية الدور الاقتصادي للدولة.

Ad

ليس ذلك فحسب، بل إن هناك عدداً من أعضاء المجلس وبعض الوزراء أيضاً لهم مصلحة مباشرة في إقرار هذا القانون، إذ إنهم سيستفيدون بحكم ملكيتهم أو ملكية ذويهم من الدرجة الأولى لحصص مؤثرة في الشركات الخاصة التي ستتولى عملية شراء ملكية القطاع العام، وهو ما يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 التي سبق أن صادقت عليها دولة الكويت عام 2006.

والأدهى والأَمرّ أن بعض هؤلاء المسؤولين، خصوصا بعض الوزراء، سيكونون ضمن المجلس الأعلى للتخصيص (المادة الرابعة) الذي سيتولى، حسب المادة السادسة من مشروع قانون الخصخصة: "وضع السياسة العامة لعمليات التخصيص وإعداد برنامج زمني بالمشروعات العامة التي يزمع المجلس تخصيصها"، وهو ما يعني أنهم سيكونون على اطلاع تام على المعلومات الدقيقة المتعلقة بسياسة الخصخصة مما سيمكنهم من اقتناص الفرص، وعقد الصفقات التجارية المعتمدة على إمكان وصول أعضاء مجلس التخصيص إلى المعلومات والأرقام والبيانات الاستثمارية والحصول عليها، وهو ما لا يتوافر للشركات الأخرى المدرجة في سوق الأوراق المالية.

أضف إلى ذلك أن أعضاء مجلس التخصيص سيتخذون القرارات الاستراتيجية المتعلقة بتقييم وبيع ملكية الدولة في المشروعات العامة، وهو ما قد يعجِّل، بتأثير ممن لهم مصلحة مباشرة، باتخاذ قرار بيع الشركة العامة بسعر بخس للقطاع الخاص، وهو الأمر الذي توضحه لنا بجلاء تجارب الكثير من الدول التي سبقتنا في الخصخصة مثل روسيا ودول أوروبا الشرقية وبعض الدول العربية، إذ تباع في بعض هذه الدول ملكية الدولة للقطاع الخاص، الذي يملكه بعض من يشرفون على عمليات الخصخصة، بما يوازي %10 أو حتى أقل من قيمتها في السوق، فأي تعارض للمصالح أكثر من ذلك؟!

وفي ظننا أنه ما لم يتم إدخال تعديلات جذرية على القانون والإسراع بإقرار قوانين مكافحة الفساد والذمة المالية من جهة، وتفعيل دور الجهات الرقابية بما فيها منظمات المجتمع المدني المعنية من الجهة الأخرى، فإن الخصخصة في شكلها المطروح في مشروع القانون الحالي (تصفية النشاط الاقتصادي للدولة) ستكون الأنموذخ الأوضح بين تجارب دول العالم كافة في عملية استغلال النفوذ وتضارب المصالح، وتركز الثروة الهائلة في أيدي القلة، وهو ما يفسر "استذباح" بعض أعضاء مجلس الأمة على عملية "سلق" قانون الخصخصة بسرعه مريبة رغم عدم جاهزية البيئة الاقتصادية والتشريعية العامة، ورغم الشبهات الدستورية التي تحيط بمشروع القانون من كل حدب وصوب، ورغم الآثار السياسية والاجتماعية الوخيمة الكثيرة التي ستترتب على بيع ملكية الدولة وتصفية نشاطها الاقتصادي.